وإن لم يدلَّ الدليلُ على أن المرادَ به أحدُهما، لا بِعَيْنْهِ، ففيه مذهبان:
أحدُهما، وهو مذهبُ الشافعيِّ وأكثرِ أصحابِه: أَنَّهُ بَيِّنٌ ظاهرٌ، فيُحمل على الجميع لغة وخطاباً، وقال القاضي أبو بكر: يحمل على الجميع احتياطاً.
والثاني (١): -وبه قالَ أبو حنيفةَ وأكثرُ الأصوليِّينَ- إنه مُشْكِلٌ، فلا يُحْمَل على شيءٍ منها إلا بِدليلٍ.
والكلامُ في تقرير المَذْهَبَيْنِ مذكور في كتبِ الأصول.
ثانيها: أن يُنقلَ فِعْلٌ، وذلك الفعلُ يحتمل حالينِ؛ فإنه مُشْكِلٌ لا يُعْقَلُ المُرادُ منهُ (٢).
كما رويَ أَنَّ النبيَّ - ﷺ - جمعَ بينَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفر (٣)، والفِعْلُ لا يقع إلا في حالٍ واحدٍ من الحالَيْنِ، إمَّا أن يكونَ السَّفرُ طويلاً، أو قَصيراً، فهذا يُرجع في بيانِه إلى الأدِلَّةِ السمعيةِ.
ثالثها: أن يُنقل أَنَّه قَضى في واقعةٍ بحُكْمِ، والواقعةُ تحتملُ حالَيْنِ، فهو

(١) في "ب" زيادة: "أي: المذهب الثاني".
(٢) هذه المسألة هي: أن الفعل لا عموم له في أقسامه، لأنه يقع على صفة واحدة منها.
انظر ذلك في: "المحصول" للرازي (٢/ ٣٩٧)، و"الإحكام" للآمدي (١/ ٢/ ٢٧٢)، و"البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٦٦)، و"المحلي مع حاشية البناني" (١/ ٣٤٤)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ١١٤).
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٥١)، والطبراني في "مسند الشاميين" (٢٦٩٦).


الصفحة التالية
Icon