بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥].
- وقال قومٌ: كانَ فرضاً على الأعيانِ في أولِ الإسلام (١)، واستدلُوا بقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: ٢١٦]، وبقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [التوبة: ١٢٠]، ثم صارَ فرضاً على الكفاية؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا﴾ [التوبة: ١٢٢] الآية.
وهذا القولُ حَسَن، لكنَّه يَحتاجُ إلى نَقْلٍ وتوقيفٍ في الترتيب.
- وقالَ قومٌ: هو فرضٌ على البَعْض دون البَعْضِ، ما لم يَنْفِرْ رسولُ الله - ﷺ -، فإذا نَفَرَ وَجَبَ على الجَميع النَّفْرُ (٢).
وهو مذهبُ ابنِ عبَّاسٍ والضَّحّاكِ وقَتادة (٣).
وهذا قولٌ حَسَنٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [التوبة: ١٢٠]، ولما فيه من الجَمْع بين الآيات، ونفي المعارَضات، ولأنَّ اللهَ -سُبحانه- عاتَبَ المُتَخَلِّفين عنهُ في غزوة تَبوكَ حتى (٤) نزلَتْ توبتُهُ على الثلاثَةِ المُخَلَّفينَ (٥).

(١) وهو قول عطاء والأوزاعي. وقاله الماوردي والسهيلي. انظر: "تفسير الطبري" (٢/ ٣٤٤)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ١١٢)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٤٠٥)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ٣٧)، و"فتح الباري" لابن حجر (٦/ ٤٦).
(٢) نسب القرطبي هذا القول إلى الجمهور، وصدَّره ابنُ حجر بقوله: "قيل". انظر: "الجامع الأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ١/ ٣٧)، و "فتح الباري" لابن حجر (٦/ ٤٧).
(٣) لم أقف على من عزا ذلك إليهم، والله أعلم.
(٤) في "أ": "حين".
(٥) في "ب":"المتخلفين".


الصفحة التالية
Icon