على المَنْهَجِ القَويم، والصِّراطِ المُستقيم، مُبيِّنًا شرائعَ الإسلام، وقواعدَ الأَحكام؛ منَ الواجبِ والحَلالِ والحَرامِ، حَتَّى أَتاهُ اليَقين.
وقد أتمَّ الله بهِ الدينَ المُبينَ، فجزاه اللهُ عَنّا أَفْضَلَ الجزَاءِ، وجَمَعَ شَمْلَنا به في دارِ البقاءِ.
ثمَّ خَلَفَ من بعدِهِ خُلَفاءُ حَقٍّ، وأُمَنَاءُ صِدْقٍ، فنصحوا لأُمَّتهِ (١)، فعلَّموهُمْ من حكمتهِ ما عَلِموهُ، وفَهَّموهم من بيانِهِ ما فَهِموهُ، وأَظْهروا لهمِ ما اجْتَهدوا فيه واستَنْبَطوهُ، فرضيَ اللهُ عنهُمْ وأَرضاهُمْ، وفي أَعْلى الجِنان بَوَأَهُمْ.
ثمَّ لم يَزَلْ بفضلِ اللهِ ورَحْمَتِه في هذه الأمَّةِ في جَميعِ أعصارها، واخْتِلافِ أَطوارِها مَنْ ينقُلُ لِخَلَفِها عن سَلِفها مِنْ وِفاقِها وخِلافِها، ويُظهرُ بالبحثِ أنوارَها، بالاستِنْباطِ أسرارَها، حَتَّى جَعَل (٢) اللهُ سبحانَهُ القائِمَ بذلكَ في عصرِهِ نورًا للأَنامِ، وعَلَمًا للأَعْلام، وإِمامًا للأَئِمَّةِ الكرامِ؛ لقيامِهِ بهَذا الدينِ المتينِ، ونصيحته للهِ رَبِّ العالَمين.
ولَمَّا كانَ القيامُ يَفي بهذهِ النَصيحةِ العَظيمةِ، والوَظيفَةِ الكَريمَةِ، بهذا المنصِبِ الأَسْنى، والمَحَل الأَعْلى، إِمّا دِيْنًا لا يَسَعُ تَرْكُهُ، أو فَريضةً لا يدعُها إلا من سَفِه نفسَهُ، استَخَرْتُ اللهَ الكريمَ الحكيمَ (٣) العليمَ في تصنيفٍ صغيرٍ حجمُه، خفيفٍ حَمْلُه، كثيرٍ نَفْعُهُ، كبير قَدْرُهُ، يكونُ تَنْبيهًا للطالبينَ، على مَناهِجِ العُلماءِ السَّالفينَ؛ في استخراجِ الأَحْكامِ، ومعرفةِ الحَلالِ والحَرامِ، ليتعلموا صَنيعَهُمْ، ويَقتْفوا أَثَرَهُمْ بسابقِ فَضْلِ اللهِ عليهِمْ، ورحمتِهِ لهُمْ.

(١) في "ب": "لأهل ملته".
(٢) في "ب": "وجعل".
(٣) في "ب": "الحليم".


الصفحة التالية
Icon