معلومٌ عندَ العربِ، وعليه جرتْ عادتُهم، وقامتْ به دُنياهمِ، وأما لفظُ الرِّبا فَمُشْكِلٌ؛ لاشتباهِهِ عليهم، وإن كانت حقيقةُ وَضْعِهِ مَعْروفَةً عندهم؛ لأنهم عَلِموا أنَّ اللهَ لا يأمرهم بترك جميعِ البيُوعاتِ والزياداتِ؛ لأن الله -تبارك وتعالى- لا (١) يأمرهُمْ بما فيه هلاكُهم وتركُ معاشِهِم (٢) وهَدْمُ دُنياهم، فعلموا حِلَّ كُلِّ بَيْع ومُبادلة، وعلموا حقيقةَ المنهيِّ عنهُ أنه الزيادةُ، وعلموا أن المرادَ بعضُ الزيادةِ دونَ بعضٍ، ولم يعرفوا على أيِّ صفةٍ يكون تحريمُها، ولا مبلغُ حدِّها، ولهذا بَيَّنَ النبيُّ - ﷺ - أعيانَ الرِّبا، وبَيَّنَ صِفَتَهُ وشرائِطَهُ في مَقامٍ واحدٍ، ولفظٍ واحدٍ مُتَّصِلاً به في أَثَرهِ، ولو كانَ بيِّناً، لَما احتاجَ النبيُّ - ﷺ - إلى بيانِهِ لهم، وأَمَّا البيعُ، فلم يُبَيِّنْهُ كذلكَ، وإنَّما بَيَّنَ مَضارَّهُ ومُفْسِداتِهِ مُنْفَصِلاً، وذلك إمَّا تخصيصٌ لعمومِهِ، أو تقييدٌ لمُطْلَقِهِ، أو تَبيينٌ لِشَرْطِهِ (٣).
ثالثها: الأعيانُ التي عُلِّقَ التَّحْليلُ أو التحريمُ عليها؛ كقول الله -جل جلاله-: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] وقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣].
فقال بعضهم: هي مُجْمَلَةٌ؛ لأن الأعيانَ لا تُوصَفُ بالتحليلِ والتحريِم، وإنما تُوصفُ بذلك أفعالُنا، وأفعالُنا غيرُ مذكورة، وهيَ متنوعَةٌ، وليسَ على ما يَحْرُمُ منها ولا ما يَحِلُّ دليلٌ يخصُّه ويُبَيِّنُهُ.
ومنهم من قالَ: إنها ليستْ بِمُجْمَلَةٍ، بَلْ هي بَيِّنَةٌ (٤)، وهو الصَّوابُ
(٢) في "ب": "معايشهم".
(٣) سيأتي ذكر حديث النبي - ﷺ - في هذا وتخريجه.
(٤) انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: ١١٤)، و"المستصفى" للغزالي (٢/ ٢٨)، و"مفتاح الأصول" للتلمساني (ص: ٩٠)، و"غاية الوصول" للأنصاري (ص: ٨٤)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ١٦٩).