فقال بعضهم: هي مُجْمَلَةٌ مُشْكِلَةٌ؛ لأن الذي نفاهُ هو العملُ والنِّكاحُ، وذلك موجودٌ مشاهَدٌ، والشرعُ لا ينفي المُشاهَداتِ، فدلَّ على أن النفيَ صفةٌ غيرُ مذكورةٍ، ولم تُبَيَّنْ تلكَ الصفةُ، وكانَ مُشْكِلاً.
وقال بعضُهم: هي بَيِّنَةٌ غيرُ مُشْكِلَةٍ (١)، وهوَ الصَّوابُ عِنْدي إنْ شاءَ اللهُ تعالى؛ فإن المتكلمَ إذا قصدَ بالنفي شيئاً متنوِّعاً، حُمِلَ لفظُه على ما يليقُ بقَصْدِهِ، فالنبيُّ - ﷺ - ليسَ قَصْدُهُ إلَّا التشريعَ والبيانَ، فإذا نَفَى شيئاً، حُمِل على ما قَصَدَه (٢)، وهُوَ التشريعُ، فكأنه قالَ: لا عملَ في الشَّرْعِ إلا بالنِّيَّةِ، ولا نكاحَ في الشرعِ (٣) إلا بِوَليٍّ مُرْشِدٍ وشاهِدَيْ عَدْلٍ، ويكونُ نفيُه على عُمومِه، فإذا وجدناه اعتبرَ ذلكَ الأمرَ المَنْفِيَّ معَ عدَمِ الصِّفةِ المَذْكورَةِ، كما إذا اعتبرَ عَمَلاً بغير نِيَّةٍ، واعتدَّ بهِ، جَعَلْناه تَخْصيصاً لِعُموم نَفْيِه.
خامسها: قوله - ﷺ -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسيانُ وما اسْتُكْرِهوا عليهِ" (٤).
فمنهم مَنْ قالَ: هو مُشْكِلٌ؛ للإضْمارِ الذي فيه؛ إذْ لم يعيَّنْ ما هو المَعْنِيُّ من الأشياءِ المُرادةِ بالرَّفْعِ.

(١) انظر هذه المسألة في: "المستصفى" للغزالي (٢/ ٣١)، و"الإحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ١٩)، و"مفتاح الأصول" للتلمساني (ص: ٩١)، و"البحر المحيط" للزركشي (٣/ ٤٦٦)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ١٧٠).
(٢) في "ب": "حمل على قصده".
(٣) في "ب": "بالشرع".
(٤) لا يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ، وإنما وقع هكذا في كتب كثير من الفقهاء والأصوليين. انظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (٥٢٨)، و"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" لابن حجر (١/ ١٧٥)، و"كشف الخفاء" للعجلوني (١/ ٥٢٢).
قلت: وقد رواه ابن ماجه (٢٠٤٥)، كتاب: الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي، لكن بلفظ "وضع" بدل "رفع". من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.


الصفحة التالية
Icon