وأما المُنَكَّرُ منُه كقولك (١): مُسلمون، وأبرارٌ، فواضحٌ في لسان العربِ عمومُه على سبيل الإطْلاقِ، وأمّا على سبيلِ الاسْتِغراق والشُّمولِ، فَلا، فمن (٢) قال بعمومه بهذه الطريقِ، فقدْ أَخْطَأَ.
وقد أوضحتُ هذهِ المسألةَ في كتابي "مصابيح المَغاني في مَعاني حروفِ المَعاني".
الثاني: الأسماءُ المُبْهَمَةُ، وهيَ "مَن" فيَمْن يعلَمُ، و"ما" فيما لا يعلَمُ في الاستِفْهام والجَزاءِ و "أَيّ" فيمن يعلَمُ وفيما لا يَعْلَمُ في حالِ الاسْتفِهامِ والجَزاء، و"أَيْنَ" في الاستِفْهام عنِ المكان، و "أَيْنَما" في الجَزاء دون الاسْتِفهام، و "أَيَّانَ" و"مَتى" في الزَّمان، في الجَزاءِ والاستفِهام، و"حَيْثُ" في المَكانِ، هكذا ذكرهُ عُلماؤنا، وهذه عامةٌ مستغرقةٌ كالذي قَبْلَها، ولكنها تفُارِقُها في أنها تقعُ على الفردِ الواحدِ حقيقةً، بخلافه.
الثالث: النَّفْيُ في النكرة بدون "مِنْ" عامٌّ ظاهِرٌ في العموم، كقولك: ما عندي شيء، ولا رجلٌ في الدار، وأما مَعَ "مِنْ" فإنه يكون نَصًّا في العموم (٣)؛ كقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ [المؤمنون: ٩١]، وقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٦٥] فلا يدخله التخصيص، بخلاف العامِّ الظاهرِ؛ فإنه يدخُلُه التخصيصُ.
(٢) في "ب": "ومن".
(٣) وقد صحح الشوكاني -رحمه الله-: أن دخول "مِنْ" هو لتأكيد الاستغراق فقط. وقال: لو لم تكن من صيغ العموم قبل دخول "من"، لما كان نحو قوله تعالى: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ و ﴿لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ مقتضياً للعموم. انظر: "إرشاد الفحول" (ص: ١١٩).