ومثلُه (١) أيضًا قولُه تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: ٨]، وذلك عامٌّ في المؤمِنَيْن والكافِرينَ، ثم قال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ [العنكبوت: ٨] وذلك خاص بالكافِرينِ.
٥ - ومثالُ ما وردَ أولُه خاصًّا، وآخرُه عامًّا (٢): قولُ اللهِ -جل جلالُهُ-: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨، ٣٩] فأولُ الكَلامٍ في صِنْفٍ منَ الظالِمينَ، وهُمُ السُّرّاقُ، وآخرُها لِجَميعِ الظالِمين بالسَّرِقَةِ وغيْرِها.
ومثلُه قوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤] فهذا خاصٌّ بالمطلَّقاتِ، ثم قال: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]، وهذا عامٌّ في المُطَلَّقاتِ، والمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ، والمُسْتَوْلَداتِ من الإِماء.
فكلُّ جملةٍ من الجمل في هذا القسم والذي قبلَهْ تُحْمَلُ على مُقْتَضاها من عُمومٍ وخُصوصٍ، تَقَدَّمَتْ أو تأخَّرَتْ، ولا (٣) يُخَصُّ بها الجُمْلَةُ الأخرى؛ خلافًا لبعضِ مُحَقِّقي الأُصوليينَ (٤)؛ لأنَّ ذلكَ مُقتضى صيغةِ
(٢) هذه المسألة يعبر عنها الأصوليون بقولهم: عطف العام على الخاص لا يجب أن يكون مخصوصًا بما عطف عليه من الخاص، بل يبقى على عمومه.
انظر: "نهاية السول" للإسنوي (١/ ٥٤٥)، و"البحر المحيط" للزركشي (٣/ ٢٣٧)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (١/ ٣٩٥).
(٣) في "ب": "فلا".
(٤) لعله يعني: إمام الحرمين وأبا الحسين البصري، كما تقدم.