* الرابعةُ: إذا وَرَدَ الأمْرُ بعدَ الحَظْرِ والمنعِ، فهل يقْتَضي الوُجوبَ؟ فيه مذهبان:
أحدهما: يقتضي الوُجوبَ، بدليلِ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] الآية، ولأن كل لفظ اقتضى الوجوبَ إذا لم يتقدمْهُ حَظْرٌ، اقْتَضى الوجوبَ وإنْ تقدَّمَهُ حَظْرٌ؛ كقولكَ: أوجبْتُ، أو فَرَضْتُ.
والثاني: لا يَقْتَضي الوُجوبَ (١)، ويكون الحَظْرُ قرينة صارفَةً لهُ عن الوجوبِ؛ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، وبهذا قال مالِكٌ وكَثْرَةٌ من أصحابِ الشافعيِّ -رضي الله تعالى عنهم-.
والذي أراهُ سديداً - إن شاءَ اللهُ- أنَّ الأمرَ والطلَب يرفعُ ذلكَ الحَظْرَ والمَنع، وينسَخُهُ، ويعودُ الأمرُ إلى ما كانَ قبلَ الحَظْرِ، فإن كانَ واجبًا، وجبَ المأمورُ به، وإن كانَ مُباحًا، كانَ المأمورُ به مُباحًا؛ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥] الآية، كانَ قتلُ المشركينَ واجبًا قبلَ الأشهُرِ الحُرُمِ، فَرَجَعَ واجبًا بالأمْرِ الثاني وتقويةِ الأمْرِ الأولِ له، كقوله
انظر: "للمع" للشيرازي (ص: ٥١)، و"المستصفى" للغزالي (٢/ ٨٨)، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: ١٢٨)، و"الإبهاج" للسبكي (١/ ٢/ ٥٧)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (١/ ٤٤٥)، و"غاية الوصول" لزكريا الأنصاري (ص: ٦٥)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ٩٧).
(١) وفيه مذهب ثالث، وهو التوقف.
انظر: "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: ١٣٩)، و"الإبهاج" للسبكي (١/ ٢، ٤٢)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (١/ ٤٦٢)، و "غاية الوصول" لزكريا الأنصاري (ص: ٦٥).