والضربُ الثاني: أن يكونَ أصلُ الذي وقعَ فيهِ النَّهْيُ الحِلَّ والإباحَةَ، فهو على التَّحْريمِ أيضًا عندَ الشافعيِّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - وذلكَ (١) كالأكلِ واللُّبْس، أصلُهما الحِلُّ والإباحَةُ، ونَهَى النبيُّ - ﷺ - عن اشْتِمالِ الصَّمّاءِ (٢)، ونَهى أنْ يَحْتَبِيَ الرجلُ بثوبٍ ليس على فَرْجهِ منهُ شيءٌ (٣)، ونهى أن يأكلَ الإنسانُ ممّا لا يليهِ (٤)، ومنْ وَسَط الطعامِ (٥).
قال الشافعيُّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهُ- في كتابِ "الرِّسالَةِ": فإذا عَلِمَ بالنَّهْي، وفَعَلَهُ على الوَجْهِ المَنْهِيِّ عنهُ، فهو عاصٍ بِفِعْله ما نُهِيَ عنه، فَلْيَسْتغفِرِ الله، ولا يَعُدْ.
قال: ولا فرقَ بينهُ وبينَ القِسْمِ الأولِ في المعصيةِ، بل أُحِلَّ لهُ ما أُحِلَّ لَهُ، وحُرِّمَ عليهِ ما حُرِّمَ عليهِ، وما حُرِّمَ عليهِ غيرُ ما أُحِلّ لهُ، وما أُحِلّ لهُ
(١) "وذلك" زيادة من "ب".
(٢) اشتمال الصَّماء: أن يردَّ الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يردُّه ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيعطيهما جميعًا. أو: الاشتمال بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يضعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. "القاموس" (مادة: صمم) (ص: ١٠١٩).
(٣) روى البخاري (٣٦٥)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: ما يستر العورة، عن أبي سعيد الخدري: أنه قال: نهى رسول الله - ﷺ - عن اشتمال الصَّمَّاء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد، ليس على فرجه منه شيء.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) روى الترمذي (١٨٠٥)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في كراهية الأكل من وسط الطعام، وقال: حسن صحيح، وابن حبان في "صحيحه" (٥٢٤٥)، والحاكم في "المستدرك" (٧١١٨)، عن ابن عباس: أن النبي - ﷺ - قال: "البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه".
وانظر: "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (١/ ٤٩٨).