فإن قلتم: فهل كان الخروجُ لها جائزاً، فَعِدَّتُها على التخيير؟
قلت: نعم؛ لقوله تعالى: ﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠].
قال عطاء: إن شاءت اعتدَّتْ عندَ أهلهِ، وسكنتْ في وَصِيتَّهِا، وإن شاءت خرجتْ؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ (١) [البقرة: ٢٣٤].
ودلَّنا هذا على أن كلَّ من وجب له حقّ، ثم تركه، فلا جُناحَ عليه.
* إذا تمَّ هذا، فقد اتفقَ أهلُ العلم بالقرآن على أن الحَوْلَ منسوخٌ بالآية الأولى (٢)، إلَّا ما يروى عن مجاهدٍ (٣).
روينا في "صحيح البخاري" عن ابن الزبير: قلتُ لعثمانَ بنِ عَفَّانَ -رضي الله تعالى عنه-: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٤٠] قد نسختها الأخرى، فَلِمَ تكتُبها، أو تَدَعُها (٤)؟ قال: يا ابْنَ أَخي!

= قالوا: لها النفقة والسكنى، وقال بهذا القول أيضاً: ابن شبرمة وعثمان البتي وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح والعنبري. انظر: "الهداية" للمرغيناني (٢/ ٦٥١)، و"المغني" لابن قدامة (١١/ ٤٠٢)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٩/ ٢/ ١٥٥).
(١) رواه البخاري (٤٢٥٧)، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾. وذكر الحافظ في "الفتح" (٨/ ٢٤٦) أنه موصول وليس معلقاً.
(٢) يعني الآية: (٢٣٤). وقد تقدم ذلك.
(٣) ستأتي الرواية عن مجاهد قريبًا عند البخاري.
(٤) فهذا شك من الراوي، والمعنى: لِمَ تكتبها وقد عرفت أنها منسوخة، أو قال: لِمَ تدعها؛ أي: تتركها مكتوبة. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٨/ ٢٤٥).


الصفحة التالية
Icon