ويؤخذ من هذا (١) أن كُل من جَحَدَ حُكْمًا معلومًا من (٢) دينِ الله ضَرورةً، فهو كافرٌ.
وأما من ترك الحجَّ مع الاستطاعةِ تَهاوُنًا أو بُخْلًا أو تسويفًا، فهو عاصٍ بفعله، وليس بكافرٍ، بإجماع المسلمين، إلا الحسنَ؛ فإنه قال بتكفيره (٣)، واستدل بقوله - ﷺ -: "مَنْ مَلَكَ زادًا وراحِلَةً تُبْلِغُهُ إلى بَيْتِ اللهِ، ولم يَحُجَّ، فَلا عليهِ أَنْ يَموتَ (٤) يَهودِيًا أو نَصْرانِيًا، وذلك لأن الله سبحانه يقول في كتابه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ " (٥).
وأجيبَ عن الحديث بأنه ضعيف، وإن صحَّ فهو متروكُ الظاهر،

(١) في "ب" زيادة: "كله".
(٢) في "ب": "في ".
(٣) قلت: كذا نقله المصنف -رحمه الله- عن القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٢/ ١٤٥)، والله أعلم.
ونَقْلُ القرطبي مخالفٌ لنقلِ من سبقهُ من المفسرين؛ فقد روى الطبري في "تفسيره" (٣/ ٢/ ١٩) عن الحسن أنه قال: من أنكره ولا يرى أن ذلك عليه حقًا، فذلك كفر.
وكذا نقله عن الحسنِ البغويُّ في "معالم التنزيل" (١/ ٤٧٦)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٣/ ٩)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٣/ ٢٣٨).
نعم القول بتكفير من ترك الحج مع الاستطاعة منقول عن السدي، كما رواه الطبري عنه في "تفسيره" (٣/ ٢/ ٢١). وكذا نقل عنه ابن عطية وعن جماعة من أهل العلم أن معنى الآية: ومن كفر بأن وجد ما يحج به ثم لم يحج فهو كافر.
(٤) في "ب" زيادة "إما".
(٥) رواه الترمذي (٨١٢)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في التغليظ في ترك الحج، والبزار في "مسنده" (٨٦١)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (٣/ ٢)، والعقيلي في "الضعفاء" (٤/ ٣٤٨)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (٧/ ١٢٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٣٩٧٨)، عن علي بن أبي طالب.


الصفحة التالية
Icon