فخصها الشافعيُّ وأبو حنيفةَ وأحمدُ بالزاد والراحلة (١)، ولم يوجبوا الحج على المستطيع بالمشي، أو بالاكتساب في الطريق؛ لما روى ابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل إلى رسول الله - ﷺ -، فقال: ما يوجبُ الحَجَّ؟ قال: "الزاد والراحلة" (٢)، خَرَّجَهُ الترمذيُّ وحَسَّنه.
وعمَّمَ مالكٌ وُجوبَ الحَجِّ على كل مستطيع بالقوةِ والاكتساب، ولو بالسؤال (٣)، وتمسَّكَ بعُموم الآيةِ، وجعله مخصِّصا لعُموم الحديثِ، فخصَّه بمنْ لا يستطيع المشيَ أو الاكتسابَ؛ بدليلِ عموم قوله تعالى: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
وهذا ضعيف؛ فإن العُمومَيْنِ إذا تعارضا، وأمكن أن يُخَصَّ بكل واحدٍ منهما عُمومُ الآخر، لم يجز أن يخص بأحدِهما الآخرُ إلا بدليلٍ آخر،

(١) وهو قول الحسن ومجاهد وابن جبير وعطاء وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن حبيب وإسحاق، وروي عن عمر وابنه عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهم، وهو قول أكثر العلماء. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٣١٠)، و "المغني" لابن قدامة (٥/ ٨)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (٣/ ٢٣٠)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٢/ ١٤٠)، و"المجموع" للنووي (٧/ ٦١)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (٣/ ٢٧٦)، و"البناية" للعيني (٤/ ١١).
(٢) رواه الترمذي (٨١٣)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، وابن ماجه (٢٨٩٦)، كتاب: المناسك، باب: ما يوجب الحج، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (٤/ ١٦)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٧١٣)، والدارقطني في "سننه" (٢/ ٢١٧)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٣٢٧)، وهذا لفظ الترمذي، وابن ماجه.
(٣) وهو قول ابن الزبير والشعبي وعكرمة والضحاك. انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (١/ ٣٨٠)، و"المغني" لابن قدامة (٥/ ٨)، و"التفريع" لابن الجلاب (١/ ٣١٥)، و"المجموع" للنووي (٧/ ٦٢)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٢/ ١٤٠).


الصفحة التالية
Icon