وروينا فيه -أيضًا- عن ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما -: أن امرأة من جُهينةَ جاءت إلى النبي - ﷺ -، فقالت: إنَّ أمي نذرت أن تحجَّ، فلم تَحُجَّ حتى ماتَتْ، أفأحجُّ عنها؟ فقال: "حُجِّي عَنْها، أَرَأَيْتِ لَوْ كانَ على أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللهَ؛ فإنَّ اللهَ (١) أَحَقُّ بالوفاء" (٢).
- وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: لا يجبُ الحَجُّ على المستطيع بغيرهِ (٣)؛ أخذًا بالقياسِ على سائر الأصولِ في منع النيابة في العبادات، والخبرُ مخصوصٌ بحالةِ الموتِ، ومقصورٌ عليها؛ ولأن الخبرَ إذا خالفَ القياسَ أو قياسَ الأصول، فهو مردودٌ عندَ أبي حنيفةَ ومالكٍ (٤).
واختلف قولُ الشافعيِّ -رضي الله تعالى عنه- في جواز النيابة في حَجِّ

= (١٣٣٤)، كتاب: الحج، باب: الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت.
(١) في "ب": "فالله".
(٢) رواه البخاري (١٧٥٤)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد.
(٣) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١٢/ ٦٢)، و"التفريع" لابن الجلاب (١/ ٣١٥).
وقد اختلف الحنفية في وجوب الحج على المعضوب الذي يستطيع الحج بغيره: فروي عن أبي حنيفة: أنه يجب عليه الحج، وينيب غيره في ذلك، وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف ومحمد، وهو الذي نقله عنه أصحاب المذاهب الأخرى، كما تقدم.
وروي عنه في المشهور: أنه لا يجب عليه، وهو رواية عن أبي يوسف ومحمد، وهو الذي مشى عليه أكثر الحنفية، كما أن القول الأول قد رجحه الكثير منهم.
انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ٢٩٥)، و"البحر الرائق" لابن نجيم (٢/ ٣٣٥)، و"البناية" للعيني (٤/ ١٠)، و "رد المحتار" لابن عابدين (٣/ ٤٠٥).
(٤) قلت: فيما نقله المصنف -رحمه الله- عنهما نظر.


الصفحة التالية
Icon