قلت: لا مفهومَ له (١)؛ فإنه لو كان كذلك؛ لما جاز لنا أن ننكحَ ما طابَ لنا من النساء مثنى وثُلاثَ ورُباع عند عدمِ خَوفِ الجَوْرِ، ولا يجوزُ القولُ بذلك، بل ذلك إرشادٌ من الله سبحانه وتعالى للمتَّصفين بذلك إلى ما فيه صلاحُهم من فراقِ اليتيمة والتزوجِ بسواها.
يدلُّ على ذلك ما روينا (٢) في "صحيح البخاري" عن عروةَ عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها-: أن رجلًا كانت له يتيمة، فنكحها، وكان لها عَذْقٌ (٣)، وكان يُمْسِكُها عليه (٤)، ولم يكن لها من نفِسه شيءٌ (٥)، فنزلت فيه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ (٦).
* وفي الآية والحديث دَلالةٌ من طريق التضمُّن والمفهوم أنَّ للوليِّ إذا أقسط في اليتيمة، أن يُنْكِحَها من نفسه؛ إذ لو كان الأمرُ في ذلك إلى غيره، لما كان لنهيه عمّا هو إلى غيره معنى، وبهذا قال أبو حنيفةَ، والأوزاعيُّ،
(٢) في "ب": "رويناه".
(٣) قال الحافظ ابن حجر: عَذْق -بفتح العين المهملة وسكون المعجمة-: النخلة، وبالكسر: الكباسة والقنو، وهو من النخلة كالعنقود من الكرمة، والمراد هنا الأول. انظر: "فتح الباري" (٨/ ٢٣٩). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٣/ ١٩٩).
(٤) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٨/ ٢٣٩): "وكان يمسكها عليه"؛ أي: لأجله، وفي رواية الكشميهني: "فيمسك بسببه".
(٥) أي: لم يكن راغبًا فيها، ولم يكن يعجبه شيء من أمرها.
(٦) رواه البخاري (٤٢٩٧)، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾.