فإن قيل: فقوله يبطُلُ بقوله تعالى: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، فإن التَّسَرِّيَ (١) غير محصورِ فإنه إذا تسرى ما أبيح له، كان أكثر عَوْلًا.
قلت: ليس الأمر كذلك؛ فإن الإماء أموالٌ يُسْتَغنى عنهنَّ، فإنهنَّ متى شاء يبيعُهُنَّ، واستمتاعُه بهنَّ رِبْحٌ؛ إذْ لا مُهورَ لهنَّ، ولا إخدامَ.
وهذا قلتُه على سبيل الردِّ لمن نسبَ إمامَ الأئمة إلى الشذوذِ وخَرْقِ اللغةِ، وهو أعرفُ بها وبمَقاصدِها، وأعلمُ بوجوه التأويل، ولا يُظَنُّ بأبي عبد الله أنه يَجْزم أنَّ ما ذَكَرَهُ مُرادُ الله -سبحانه- فقط، بل ذَكَرَه على وجه التأويل؛ لاحتمال اللفظ له، ولم يزل العلماء يبدون من التأويلات التي يحتملُها الخِطاب في المآل بضربٍ من النظرِ والاستدلال ما لا تُحصى كثرتُه على تعاقُب الدهور والأعصار، ولا حَجْرَ إلا في التفسير المنصوص الذي بيَّنَ الشارعُ - ﷺ - مرادَ اللهِ جلَّ جلالُه (٢).
ولا شكَّ أَنَّ قولَ الجَماعةِ أرجَحُ من قولِ الشافعيِّ، ورُجحانُ غيرِه لا يمنعُ من ذكره (٣).
* ثم أمرَ (٤) اللهُ سبحانه بإيتاءَ النساءِ صَدُقاتِهِنَّ.
"أساس البلاغة" للزمخشري (ص: ٢٩٤).
(٢) وانظر دفاع كلِّ من الرازي وابن عطية والقرطبي عن قول الإمام الشافعي في: "تفسير الرازي" (٥/ ١/ ١٨٥)، و"المحرر الوجيز" (٣/ ٤٩٤)، و "الجامع لأحكام القرآن" (٣/ ١/ ٢٥).
(٣) انظر: "تفسير الرازي" (٥/ ١/ ١٨٥).
(٤) في "ب": "أمرنا".