وبتحريمِ المتعةِ قال جمهورُ الصحابةِ -رضي الله تعالى عنهم (١) -، وأجمع عليه فقهاءُ الأمصارِ بعد الخلاف، ولم يخالف فيها إلا الرافضةُ، فمن قائلٍ بأنها منسوخة، ومن قائلٍ بأنها محكمة مؤولةٌ كما قدمنا (٢).
فإن قال قائل: فكيف استمرَّتِ الإباحةُ بعدَ موتِ النبي - ﷺ - في زمنِ أبي بكرٍ، ونِصْفٍ من خلافةِ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما- مع وجودِ النهي عنه - ﷺ -؟
قلنا: يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه لم يظهرْ ويكثرْ بين الناس فعلُ المتعة، وينتشرْ إلى الخلفاء فعلُ من لم يعلمْ بنسخها، إلا في نصفِ خلافة عمر.
والثاني: أن يكون توقفُ أبي بكر وعمر؛ لتكرار الإباحةِ والنسخ؛ فإنها أُبيحتْ، ثم نهى عنها النبي - ﷺ - عامَ خَيْبَرَ، خرجه الشيخانِ عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه (٣) -، وعامُ خيبرَ قبلَ فتحِ مكة (٤).
(١) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (٥/ ٧١)، و "المحلى" لابن حزم (٩/ ٥٢٠)، و "التمهيد" لابن عبد البر (١٠/ ١١١ - ١٢١).
(٢) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (٥/ ٧٢)، و "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٥٠٦)، و "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٧٣).
(٣) رواه البخاري (٣٩٧٩)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، ومسلم (١٤٠٧)، كتاب: النكاح، باب نكاح المتعة، عن علي بن أبي طالب: "أن رسول الله - ﷺ - نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية".
(٤) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ١٨٣)، و "زاد المعاد" لابن القيم (٣/ ٤٦٤ - ٤٦٢)، و"فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٧٢ - ١٧٤).