بالدينارينِ، وفي بيع أمهاتِ الأولاد، وغيره، فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبيِّ - ﷺ - فيه خلافه؟
فإن قيل: فلمَ لمْ يذكره؟
قيل: قد يسأل الرجلُ عن شيء، فيُجيب فيه، ولا يتقصَّى الجوابَ، ويأتي على الشيء كله، ويكون جائزًا له، كما يجوز له لو قيل: أصلِّى الناسُ على عَهْدِ النبي - ﷺ - إلى بيت المقدس؟ أن يقول: نعم، وإن لم يقلْ: ثم حُوِّلَتِ القِبْلَةُ.
قال: فإن قيلَ: فقد ذكر على عهد أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر.
قيل -الله أعلم-: وجوابُه يخالف ذلك كما وصفت (١)، انتهى.
قلت: ولا يخفى على ذي نظر صافٍ ما في هذا الجوابِ من التكلُّفِ والتعسف، ومن تجويزِ النسخِ بالظَّنِّ والاحتمال، وهذا من الشافعيِّ خلافُ مذهبه وأصوله.
وقال غيرُ الشافعيِّ: يشبه أن يكونَ الحديثُ منصرفًا إلى طلاق البَتَّةِ الذي معناها الثلاثُ (٢)، وذلك أنه قد رويَ عن النبي - ﷺ - في حديث رُكانَةَ أنه جعل البَتَّةَ واحدةً، وكان عُمر يراها واحدة، ثم تتابع الناسُ في ذلك، فألزمَهُمُ الثلاثَ (٣).
وبه عمل عمرُ بنُ عبد العزيز، وقال: لو كان الطلاقُ ألفًا ما أبقتِ البتَّةُ

(١) انظر: "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (ص: ٥٤٩)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ٣٣٨)، و "معرفة السنن والآثار" (١١/ ٣٨).
(٢) انظر: "معرفة السنن والآثار" (١١/ ٤٠)، و "السنن الكبرى" كلاهما للبيهقي (٧/ ٣٣٨).
(٣) رواه مسلم (١٤٧٢)، كتاب: الطلاق، باب: طلاق الثلاث، عن ابن عباس.


الصفحة التالية