* واختلف الناسُ في حكم اللَّمْسِ والمُلامسة بحسبِ اختلافِهم في معناهما في الآية.
ولا شَكَّ أنهُ يُكنى بِهما عن الجِماع في عُرْفِ الشرع.
وأما حقيقةُ وَضْعِهما، فهي اللَّمْسُ باليدِ، ومنه نهيهُ - ﷺ - عن بَيْعِ المُلامَسةِ (١).
فقال قومٌ: المُراد به في الآيةِ الجِماعُ، وهو قولُ ابن عباسٍ، والحسنِ، ومجاهدٍ، وقَتادةَ (٢)، فهو لا يلزمُ من قولهم جوازُ التيمُّمِ عن الجَنابة؛ كما هو مذهبُ الجمهور (٣)، ولا يلزمُ من قولهم عدمُ انتقاضِ الوضوءِ باللَّمْس باليدِ، ولكنه هو الظاهرُ عنهم؛ لكونِ الجنابةِ لم يتقدمْ ذكرُها إلا في حُكْم المُرور، ويجوز عنهم خلافُه.
وبهذا المعنى قال أبو حنيفة، فلم يوجبِ الوُضوءَ من مَسِّ (٤) الرجلِ المرأةَ، إلا أن يكونَ معهُ انتشارُ (٥)؛ لما روى حبيبُ بنُ أبي ثابت، عن عروةَ، عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها- عن النبيِّ - ﷺ - أنه قَبَّلَ بعضَ

(١) روى البخاري (٥٤٨١)، كتاب: اللباس، باب: اشتمال الصماء، ومسلم (١٥١١)، كتاب: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: "أن رسول الله - ﷺ - نهى عن الملامسة والمنابذة".
(٢) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (١/ ٦٠)، و"تفسير الطبري" (٥/ ١٠٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٦١).
(٣) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ٥)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (١/ ٢٥٣)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (٢/ ٩٣).
(٤) في "ب": "المس".
(٥) وهو الراجح من مذهب أحمد. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ٥)، و"العناية شرح الهداية" للبابرتي (١/ ١٩٢)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ١٢٤)، و"رد المحتار" لابن عابدين (١/ ٩٢).


الصفحة التالية
Icon