وبهذا المعنى قال مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، والأوزاعيُّ، فأوجبوا الوضوءَ من لمسِ النساء (١).
واستدلَّ له الشافعيُّ -بعدَ اعتمادِه على تفسيرِ عمرَ وابنِ مسعودٍ- بذكر الله سبحانه للملامسةِ موصولةً بذكرِ الغائطِ بعدَ ذِكْرِ الجنابة، فما أوجب الوضوء من الغائط، أوجبه من الملامسة، فأشبهتْ أن يكونَ اللمسَ الذي هو غيرُ الجنابة (٢)، إلا أن مالكاً قيده بوجود اللذَّةِ، أو بقصدِها، مع وجودِ الحائلِ ومع عدمِه؛ تخصيصاً لعمومه بمعناه (٣)؛ لما روت عائشةُ -رضي الله تعالى عنها - أن النبيَّ - ﷺ - كان يغمزُها عندَ سجودِه بيده (٤)، وضُعِّفَ بأنه إذا لمسَ من وراءِ حائلٍ فليسَ بِماسٍّ ولا بِمُلامِسٍ لها، وإنما هو لامسٌ لثوبها (٥).
وقيده الشافعيُّ -في أحد قوليه- بمظنة اللذة، فلم ينقضِ الوضوءَ

(١) انظر: "المدونة الكبرى" (١/ ١٣)، و "التمهيد" لابن عبد البر (٢١/ ١٧٢)، و"الأم" للشافعي (١/ ١٥).
(٢) انظر: "الأم" للشافعي (١/ ١٥)، و "المجموع" للنووي (٢/ ٣٠)، و"مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٣٤).
(٣) انظر: "المدونة الكبرى" (١١/ ١٣)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٧)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٥/ ٢٢٤).
(٤) ذكر المصنف الحديث هنا بمعناه، أما لفظه كما عند البخاري: عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - ﷺ - ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. رواه البخاري (٣٧٥) كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش، ومسلم (٥١٢)، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي.
(٥) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٢١/ ١٧١)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٥/ ٢٢٦).


الصفحة التالية
Icon