وهذا المذهبُ وإن كان قويَّ الدِّلالة، فقولُ الجمهور أرجحُ دليلاً؛ لأن الله -سبحانه- حَرمَ الأخذَ من الأزواج مطلقاً، وقال: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢٠ - ٢١] وبيَّنَ أن الأخذَ إنما يكونُ حراماً إذا كان على سبيل العَضْل (١) والمنعِ، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساه: ١٩]، فدليلُ هذا التخصيص يقتضي جوازَ الأَخذ إذا كان على غير (٢) جهة المَنعْ والعَضْل، مع موافقةِ عموم (٣) قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤]، ولأنه إذا جاز الأكلُ من الذي تهبه وتَصَّدَّقُ بهِ من صَداقها، ولم يحصل لها به عوضٌ، فَلأَنْ يجوزَ الأكلُ منهُ مع حصولِ العِوَضِ أولى.
* ثم بيَّن الله سبحانه في سورة النساء أنه يجوزُ الأخذ على جهةِ العَضْل عندَ الإتيان بالفاحشة، فقال تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩].
(١) عضَل المرأة عن الزوج: حبسها. وعَضَل الرجلُ أيِّمَه: يعضُلها ويعضِلها عَضْلاً، وعضّلها: مَنَعها الزوج ظلمًا، وأمَّا في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾، فإن العَضْل في هذه الآية من الزوج لامرأته، وهو أن يضارَّها ولا يحسن عِشْرتها ليضطرها بذلك إلى الافتداء منه بمهرها الذي أمهرها. "اللسان" (مادة: عضل) (١١/ ٤٥١).
(٢) "غير" ليست في "أ".
(٣) "عموم" ليست في "أ".