النبيَّ - ﷺ - اقتصرَ على دونَ المِرْفَقِ، فدلَّ على دُخوله وُجوبًا.
فإن قال قائل: كلمة (كان) لا تدلُّ على الاستغراقِ، على الصحيح عند الأصوليين.
قلتُ: لا تدلُّ على الاستِغْراقِ في ذي الأقسامِ والأنواع، وأما إن لم يكنْ للفعلِ أقسامٌ وأنواعٌ، كالوضوء، فإنها تدلُّ على التكرارَ وَضْعًا وعُرْفًا، أو عُرْفًا لا وَضْعًا؛ كما اختارهُ بعضُ المحققين.
فإن قال: لعلَّه - ﷺ - فعلَ ذلكَ طَلَبًا لإطالةِ الغُرَّةِ، فهو محمولٌ على الاستِحْباب.
قلت: لا يُحملُ مثلُ هذا على طلبِ الغُرَّةِ، وإنَّما يُحمل عليه مثلُ ما رُوي عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه-: أنه غسلَ يَدَه اليُمنى حتى شرعَ في العَضُدِ، ثم اليُسْرى كذلك، ثم غسلَ رِجْلَه اليُمنى حتى شرعَ في الساقِ، ثم اليُسْرى كذلك، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله - ﷺ - يتوضأ" (١) لإشعارِ الشُّروعِ في الأعضاءِ بطلبِ الفضيلةِ، وعدمِ إشعارِ الإرادة بذلك.
وهذا كلهُّ إن صَحَّ حديثُ جابرِ، ولستُ أعلمُ صِحَّته (٢)، أما إذا لم يَصحَّ، فحجَّتُهم أظهرُ وأقوى.
* ثم أَمَرَهُم سُبْحانَه بِمَسحِ الرأسِ، وهو واجبٌ بإجماعِ العُلماء، لكنهمُ اختلفوا في مِقْدارِ الواجبِ منه.
- فذهب مالكٌ، والمُزَني، وأحمدُ -في إحدى الروايتين- إلى مَسْحِ كُلِّهِ
(٢) قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (١/ ٥٧): وقد صرح بضعف هذا الحديث ابن الجوزي، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي، وغيرهم.