* وفي الآيةِ دليل على أن الجُنُبَ يجوزُ له أن يتيمَّمَ (١).
وعلى هذا استَقَّر الأمرُ بعدَ الخِلافِ في الصَّدْرِ الأَوَّلِ، فكان عمرُ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ لا يجوزان التيمُّمَ للجُنُب (٢).
روى البخاريُّ عن شَقيقِ بنِ سَلَمَةَ قال: كنتُ عندَ عبدِ اللهِ وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيتَ يا أبا عبد الرحمن إذا أجنَبَ فلم يجْد ماءً كيفَ يصنع؟ فقال عبدُ الله (٣): لا يصلي حتى يجدَ الماءَ، فقال أبو موسى: فكيف تصنعُ بقولِ عَمَّارٍ حينَ قال النبيُّ - ﷺ -: "كان يكفيك"؟ قال: ألم ترَ إلى عمرَ لم يقنعْ بذلكَ منه؟ فقال أبو موسى: فدعنا من قولِ عَمّارٍ، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما دَرى عبدُ الله ما يقولُ، فقال: إنا لو رَخَّصْنا لهم في هذا، لأوشكَ إذا بردَ على أحدِهِمُ الماءُ أن يَدَعَهُ ويتيمَّمَ، فقلتُ لشقيقٍ: إنما كرهَ عبدُ الله لهذا؟ فقال: نعم (٤). وقيل: إن عمرَ وابن مسعود رَجَعا عن ذلك (٥)، والله أعلم.
* وكنت قَدَّمْتُ أولاً أنَّ مفهوم قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] لا يوجبُ تكَرار الوضوءِ لكلِّ صلاةٍ (٦)، خلافاً
(٢) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٢١/ ١٧٨)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ١٦١).
(٣) في "أ": "عبد الرحمن"، وهو خطأ.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) انظر: "سنن الترمذي" (١/ ٢١٦)، و"معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٤٣٦).
(٦) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٣٣٠)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (١/ ١٥٤).