قُرْعَةُ الشافِعِيِّ في إعتاقِ عبدٍ (١) وحِرْمانِ آخَرَ!.
فالشافعيُّ لم يقلْ ذلكَ بدعواهُ، ولا ارْتَكَبَهُ بِهواه، وإنَّما اتّبَعَ فيه ما ثَبَتَ عنِ النبيِّ - ﷺ -، ونظرُ العَقْلِ باطِل عندَ وُجودِ سُنَّتِهِ - ﷺ -، فما يَنْطِقُ عنِ الهوى، وللهِ سُبْحانه أن يَسُنَّ على لِسانِ نَبِيِّهِ - ﷺ - ما شاءَ، ويُوجِبَ ما شاءَ، ويُسْقِطَ ما شاءَ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وهُمْ يُسْأَلون، كيفَ وقد ظهرَ لنا من اعْتِناءِ الشارِع بتكميلِ الحُرِّيَّةِ وعَدَمِ تبعيضِها ما يفتحُ العقولَ لِما فيه من المَصالح الكُليَّةِ من شُهوده الجِهادَ، واستقلالِهِ بكَسْبِهِ، وقيامِه بالفرائِض التي هي دعائِمُ الإسلام، وتَطَوُّعِهِ بِنوافِلها أيضاً، ووجوبِ القِصاص على قاتِله، وتكميلِ دِيَتِهِ، وتكثيرِ نِسائه التي بِهِنَّ يَكْثُرُ نَسْلُه، وغيرِ ذلك مِمّا يخرجُ به من حَيِّزِ الأموالِ إلى حَيِّزِ المُكَلَّفينَ المُكَرَّمين؟!
ولأجلِ هذا أوجبَ الشارعُ - ﷺ - على من أَعْتَقَ شِرْكاً لهُ في عبدٍ قيمةَ الباقي، وكَمَّلَ عتقَ من حَرَّرَ بعضَ رقيقِه، وإن لم يقصِدْ ذلكَ مالكُه.
وأيُّ نَظَرٍ يوجِبُ على الإنسان بَذْلَ مالِهِ بطاعةٍ عَمِلَها، وقرية أتاها؟ وأيُّ نظير يوجبُ على الشريكِ أخذَ قيمةِ مُلْكِهِ بغيرِ رضاه؛ ولقد ارتكبَ خَطَراً، وقالَ شَطَطًا؛ فإن القُرْعَةَ قُرْعَةُ النبيِّ - ﷺ - والأنبياءِ من قبلهِ - ﷺ -.
قال اللهُ سبحانه في يونس -عليه السلامُ-: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: ١٤١].
وقال في زَكرِيّا وأصحابِه -عليهُمُ الصَّلاةُ والسَّلام-: ﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤].
وكان النبي - ﷺ - إذا أرادَ سَفَراً، أَقْرَعَ بينَ نسائه (٢).

(١) في "ب": "شخص".
(٢) رواه البخاري (٢٤٥٣)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: هبة المرأة الغير=


الصفحة التالية
Icon