وأمّا قراءَتُهما للآيةِ، فقرأاها استدلالاً وتنبيهًا على أن أصلَ الأشياءِ الحِلُّ، لا التحريمُ حتى يردَ كتابٌ أو سُنَّةٌ صحيحةٌ صريحةٌ، ولو كانَ منهما اعتقاداً للحصر، وتقديماً للآيةِ على السنَّةِ، لأَباحا كُلَّ ذي نابٍ من السِّباع، وذي مِخْلَبٍ من الطير، ولم يفعلا ذلك (١).
ويدلُّ على ما قلتُه ما روى عَمْرُو بنُ دينارٍ عن أبي الشَّعثاءِ عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: كان أهلُ الجاهليةِ يأكلونَ أشياءَ، فبعث اللهُ نبيَّه - ﷺ -، وأنزل كتابَهُ، وأَحَلَّ حلالَه، وحَرَّمَ حَرامَهُ، فما أَحَلَّ فهو حَلالٌ، وما حَرَّمَ فهو حَرامٌ، وما سكتَ عنه فهوَ عَفْوٌ (٢)، وتَلا هذهِ الآية (٣).
وقد قدَّمْتُ في "سورةِ البقرةِ" جُمَلاً نافِعَةً -إن شاء الله تعالى-.
* وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: ١٤٥].
والرِّجسُ: يقع على القبيح المستقذر؛ كقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠].
ويقع على العذابِ؛ كقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٠٠].
ويقع على النَّجِس؛ كقولهِ - ﷺ - لمَّا أُتِي بِحَجَرَيْنِ ورَوْثَةٍ، فأخذَ

(١) وروي أن السيدة عائشة رضي الله عنها سئلت عن أكل كل ناب من السباع، فتلت: ﴿لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾. رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٨٧٠٨)، والطبري في "التفسير" (٨/ ٧١)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٥/ ١٤٠٧).
(٢) في "ب": "معفو".
(٣) رواه أبو داود (٣٨٠٠)، كتاب: الأطعمة، باب: ما لم يذكر تحريمه، والحاكم في "المستدرك" (٧١١٣)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (٥٠٤).


الصفحة التالية
Icon