وقال مالِكٌ في أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ: سترُ العورةِ فرضٌ إسلاميٌّ، لا يختصُّ بالصلاةِ (١)، واحتجَّ بما ثبتَ في الصحيح: أنه كانَ رجالٌ يُصَلُّونَ مع النبيِّ - ﷺ - عاقِدينَ أُزْرَهُمْ على أعناقهم كهيئةِ الصِّبيان، ويقال للنساء: لا تَرْفَعْنَ رُؤوسَكُنَ حتى يَسْتَوِيَ الرجالُ جلوسًا (٢).
وبما روى عَمْرُو بنُ سَلمَةَ قال: لما رَجَعَ قومي من عندِ النبي - ﷺ -، وقال لهم: "ليَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قِراءَةً"، فدعَوْني، فعلَّموني الركوعَ والسُّجودَ، فكنتُ أُصَلِّي بهم، وكان عَلَى بُرْدَة مفتوقة، وكانوا يقولون لأبي: ألا تغطي عنا استَ ابْنِكَ (٣)؟
* ولما كان أهلُ الجاهليةِ لا يأكلونَ في حَجِّهِمْ دَسَماً، ولا يأكلونَ إلا قوتاً؛ يُعَظِّمونَ بذلكَ حَجَّهُمْ، قالَ المسلمون: نحنُ أَحَقُّ أَنْ نفعلَ ذلكَ، فأَمَرَهُمُ اللهُ سبحانه أَنْ يأكلوا ويشربوا، ولا يُسْرِفوا بتحريمِ ما أحل اللهُ لهمْ منَ اللَّحْمِ والدَّسَم؛ إنه لا يُحِبُ المُسرفينَ المُشركين.
(١) هو قول بعض المالكية، وقد رجح بعضهم -كابن عبد البر وغيره- القول الأول بأن ستر العورة من فرائض الصلاة، انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٢/ ١٩٦)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٨٢)، و"الذخيرة" للقرافي (٢/ ١٠١).
(٢) رواه البخاري (٣٥٥)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: إذا كان الثوب ضيقًا، ومسلم (٤٤١)، كتاب: الصلاة، باب: أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال، عن سهل بن سعيد.
(٣) رواه النسائي (٧٦٧)، كتاب: القبلة، باب: الصلاة في الإزار، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٧/ ٩٠)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٤٥٥)، والبيهقي في "السنن الصغرى" (٥٥٨).