فتمسَّكَ بهذهِ الآيةِ مَنْ منعَ القِراءَةَ خَلْفَ الإمامِ في الصَّلاةِ الجَهْرِيَّةِ، ويُروى عنِ ابنِ مَسْعودٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنه صَلَّى بأصحابِه، فقرأ قومٌ خَلْفَهُ، فقال: ما لكم لا تعقلون؟ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (١) [الأعراف: ٢٠٤].
وبهذا قالَ مالِكٌ، والشافعيُّ في أحدِ قوليه (٢).
وفي المسألةِ اختلافٌ كبيرٌ بينَ الصحابةِ وغيرِهِمْ؛ لتعارُضِ الأحاديثِ في ذلكَ، وقد جَمَعَ الإمامُ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريّ في ذلكَ جُزْءاً، وكان رأيُهُ قراءةَ الفاتِحَةِ خَلْفَ الإمامِ مُطْلَقاً لقوله - ﷺ -: "لا صَلاةَ لِمَنْ لاَ يَقْرأُ بفاتِحَةِ الكِتَابِ" متفق عليه (٣)، وهو الصحيحُ من قولِ الشافعيِّ، وموضعُ المُجاراةِ في ذلكَ في غيرِ هذا المقامِ.
* * *
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٤٦)، وابن عبد البر في "التمهيد" (١١/ ٢٩). وانظر جميع الآثار التي ذكرت آنفًا في "الدر المنثور" للسيوطي (٣/ ٦٣٤ - ٦٣٥).
(٢) وذهب الحنابلة إلى أنه لا قراءة للمأموم فيما يجهر فيه الإمام، وذهب الحنفية إلى المنع من القراءة خلف الإمام مطلقًا. انظر: "الموطأ" للإمام مالك (١/ ٨٥)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (١/ ٤٦٢)، و"الأم" للإمام الشافعي (٧/ ٢٠٧)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٢/ ١٤١)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ٢١٦)، و"المبسوط" للسرخسي (١٩٩)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ٣٢٩).
(٣) رواه البخاري (٧٢٣)، ومسلم (٣٩٤) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.