والدليلُ على أنه المرادُ بالآية ما رواهُ مُصْعَبُ بنُ سَعْدٍ، عن أبيه: أنه قال: لَمَّا كانَ يومُ بَدْرِ، جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسول الله! إن اللهَ قد شَفى صَدْري منَ المشركين، أو نحوَ هذا، هَبْ لي هذا السيفَ، فقالَ: "ليسَ هذا السيفُ لكَ ولا لي"، فقلتُ: عسى أن يعطى هذا من لا يُبْلي كبلائي (١)، فجاءني الرسول - ﷺ -، وقال: "إنكَ سألتَني، وليستْ لي، وقد صارَتْ لي، فهو لك"، فنزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] الآية.
قال الترمذيُّ: هو صحيحٌ (٢).
ورواهُ قريبًا من ذلك مُسْلِمٌ في "صحيحه" (٣).
وفي بعضِ الألفاظِ أنه أخذَهُ من الغَنيمةِ، فقال له النبيُّ - ﷺ -: "رُدَّهُ من حَيْثُ أَخَذْتَهُ" (٤)، فعلى هذا المعنى تكونُ كلمة (عن) صِلَةَ، كما قرأ عبد الله: (يسألونك الأنفالَ) (٥).
والمعنى الثاني، وعليه عُرْفُ الفقهاءِ: أنه ما يُرَغّبُ بهِ الإمامُ بعضَ

= (١٧٦٢)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين.
(١) في "ب": "بلائي".
(٢) رواه أبو داود (٢٧٤٠)، كتاب: الجهاد، باب: في النفل، والترمذي (٣٠٧٩)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الأنفال، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (٧٣٥).
(٣) رواه مسلم (١٧٤٨)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الأنفال.
(٤) انظر تخريج الحديث السابق.
(٥) قرأ بها ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، وطلحة بن مصرف، وعكرمة، وعطاء، والضحاك. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس (١/ ٦٦٤)، و"تفسير الطبري" (١٣/ ٣٧٧)، و"الكشاف" للزمخشري (١١٢/ ٢)، و"تفسير الرازي" (٤/ ٣٤٣). وانظر: "معجم القراءات القرآنية" (٢/ ٤٣٧).


الصفحة التالية
Icon