وبالجملة، فقد عفا اللهُ عن هؤلاء، وتابَ على هؤلاء، وذلك تَضَمَّنَ صُدورَ المَعْصِية.
وقد أجمع المسلمون على قبولِ توبةِ الفارِّ منَ الزحف.
* ثم بين اللهُ سبحانَه ما أطلقَهُ من الأمرِ بقتالِ الكفارِ الذين حَرَّمَ الفِرارَ منهم، بأن الرجلَ مِنّا يُصابِرُ العَشَرَةَ منهم، ثم نَسَخَ ذلك إلى اثنينِ (١) بقوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ [الأنفال: ٦٦] الآية.
* ودلت الأدلةُ على أن هذهِ الآيةَ لم تُرَدْ بها جُمْلَةُ المؤمنين، وإنما أريدَ بها المؤمنون ذوو الطاقةِ، ما خلا النساءَ والعبيدَ والصِّبيانَ.
* * *
١٤٢ - (٣) قوله تبارك وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤].
* أمرنا اللهُ سبحانَهُ بالاسْتِجابَةِ للهِ ولِرسوله - ﷺ - إذا دعانا لما فيه حياتُنا.
وروى البخاريُّ عن أبي سعيدِ بنِ المُعَلَّى قال: كنت أُصَلِّي، فمرَّ بي رسولُ الله - ﷺ -، فدعاني، فلم أَجِبْهُ حتى صليتُ، ثم أتيتهُ، فقال: "ما مَنَعَكَ أن تُجيبَني؟ ألم يَقُلِ اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]؟ -ثم قال:- ألا أُعَلِّمُكَ أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أنْ أَخْرُجَ؟ "، فذهب رسولُ الله - ﷺ - ليخرجَ، فذكرتُ له، فقال: "الحمدُ للهِ ربِّ العالمين،

(١) انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٣٧)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: ٣٥)، و"قلائد المرجان" (ص: ١١٣).


الصفحة التالية
Icon