فإن قلتَ: حديثُ ابنِ بُرَيْدَةَ كانَ قبلَ الفتح، بدليل قوله: "ثم ادعُهم إلى التَّحَوُّل مِن دارِهِم إلى دارِ المُهاجِرينَ"، وكان المشركون الذين يبعث إليهم السرايا أهلَ أوثانٍ، لا أهلَ كتابٍ يومئذٍ؛ بدليل قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة: ١٢٣]، والذين يلونَهُم أهلُ أوثانٍ، لا أهلُ كتابٍ، فالقولُ بالنسخِ فيه أقربُ؛ لتقدمه.
قلتُ: هذا سؤالٌ قويٌّ؛ لأنه الظاهرُ يومئذ، ولكنه - ﷺ - قد غَزا أهلَ الكِتابِ وقاتَلَهُمْ قبلَ الفتحِ، فَغزا خيبرَ، واستفتَحَ حُصونَها، وغزا جيشُه مُؤْتةَ من أرضِ الشام، وهم أهلُ كتابٍ، ولأنه يحتملُ أن يكون إنما أَمَرَهُم بالتحوُّلِ من دارِهم إلى دارِ المُهاجرينَ دَعْوَةً لهم إلى الجِهاد؛ فإنها كانتْ مَوْطِنَ الإمامِ الأَكْبَرِ الذي يُجَهِّزُ الجيوشَ، ويبعثُ السرايا، ليصيبوا الحُسْنَيَيْن جميعاً، ولهذا أمرَ بإعلامِهم أنهم ليسَ لهم في الفَيْءِ شيءٌ، إلا أن يُجاهدوا معَ المسلمينَ، فيكونُ حديثُ بريدةَ موافقاً لحديثِ أبي هريرةَ في المَعْنى والتاريخ، إذ ليسَ على تقدُّم واحدٍ منهما أو تأخُّرِه دليلٌ صريح، وقد تقدَّم نَحْوُ هذا الكلامِ في "سورة البقرة".
* * *
١٤٥ - (٦) قوله عَز وجَل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنفال: ٤١].
* قد قدمتُ ما قيلَ في حقيقةِ النَّفَلِ، ثم أذكرُ الآنَ ما قيلَ في الغَنيمَةِ والفَيْءِ.
فأما الغنيمةُ.
١ - فذهبَ جمهورُ أهلِ العلمِ إلى أنهُ المأخوذُ من الكُفَّارِ قَهْراً وقَسْراً،


الصفحة التالية
Icon