واحدٍ منهما في حالٍ غيرِ حالِ الأخرى، وآية السيف (١) يُعْمَلُ بها إذا لم يَلْتَمسوا مِنَّا الصلحَ، فإذا التمسوهُ، ورأى الإمامُ فيه المصلحةَ، عَمِلْنا بهذه الآية، وأما آيةُ أهلِ الكتابِ فإنها موافِقَةٌ لهذهِ، ولهذا قالَ مجاهدٌ في تأويلِ هذه الآيةْ المرادُ بها قبولُ جِزْيَةِ أهلِ الذِّمَّةِ (٢).
والعجبُ من قائلِ هذا القولِ (٣) كيفَ يَدَّعي نَسْخَ الشيءِ بما يُوافِقُهُ، وسيأتي في "سورة محمدٍ" مزيدُ بيانٍ -إن شاء الله تعالى-.
* * *
١٤٨ - ١٤٩ (٩ - ١٠) قوله جَلَّ ثناؤه ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٥ - ٦٦].
* أمر الله سبحانَهُ المؤمنينَ بمُصابرَةِ الواحدِ للعَشَرَةِ، وخرجَ مخرجَ الشرطِ؛ لكي يعلق عليه النَّصْرَ والغَلبةَ عند الصبر.
ثم خفف اللهُ ذلك عنا (٤)؛ لِما علمَ مِنْ ضعفِنا، وأوجبَ المُصابَرَةَ للضِّعْفِ، ووَعَدَنا النصرَ على الصَّبْرِ أيضاً، وهذا أدنى مَراتبِ المُصابرةِ؛ فإن الواحدَ قد يَهْجُمُ في كَرَّتهِ على أَحَدِ الاثنينِ، فيقتلُه، أو يُثْخِنُهُ، ويبقى معهُ واحدٌ، فيحصل له النصر، وقد شاهدنا هذا كثيراً.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٨/ ٤٠).
(٣) في "ب": "القبول".
(٤) "عنّا": ليس في "أ".