وهذه الروايةُ بمعنى الرواية الأولى، أو أَبْيَنُ منها.
فإن قلتَ: فإنَّ قولَ عَلِيٍّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- في روايةِ زيدِ بنِ يُثَيْعٍ يَقْتضي أنَّ الأربعةَ الأشهُرَ أَجَلٌ لِمَنْ لا عهدَ له من مشركي العربِ؛ حيث قالَ قومٌ: من لا عَهْدَ له، فاجلُه أربعةُ أشهرٍ يخالف ما أَوَّلْتَ بهِ الآيةَ، وما رويَ عن ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-.
قلت: المرادُ: ومَنْ لا عَهْدَ لهُ، أي: مُعْتبَرٌ؛ لأنَّ من نقضَ عهدَه لا عَهْدَ له.
والدليلُ عليه قولُه تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١]، فخص الخطابَ معهم، وأكثرُهم ناقِضون.
وقولُ عَلِيِّ -رضي الله تعالى عنه-: ومن كانَ بينَهُ وبينَ النبيِّ - ﷺ - عهدٌ، فعهدُه إلى مُدَّتِهِ، أي: عهدٌ معتبرٌ استقامَ عليهِ أهلُه، وإلاّ لمْ يكن لآيةِ النسخِ معنى، والدليلُ عليه قولهُ تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ [التوبة: ٤]، وخصوا بهذا لأَجْلِ استقامَتِهم على عهدِهم، وتخصيصُ الذكرِ بالمسجدِ الحرامِ في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ٧] جاءَ لتعريفِهم بهِ، لا للتقييد.
ويمكنُ الجمعُ بين آيةِ السيفِ وآيةِ النسخِ من وجهٍ آخَرَ (١)، وذلكَ أنَّ انسلاخَ الأشهُرِ الحُرُمِ موافِقٌ لانقضاءِ الأربعَةِ الأشهرِ على ما رُوي عنِ الزُّهْرِيِّ وغيره مِنْ أن نزولَ آيةِ النسخِ في شَوّال، فيكونُ انتهاؤها انسلاخَ الأشهُرِ الحُرُمِ؛ والمشهورُ أن ابتداءَ الأربعةِ الأشهُرِ من يومِ النَّحْرِ؛ لأنه كان

(١) انظر: "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: ٣٥)، و"قلائد المرجان" (ص: ١١٤ - ١١٥).


الصفحة التالية
Icon