الراهبِ والأَعْمى والعَسيفِ (١) (٢).
* وبَيَّنَ اللهُ سُبْحانه في هذه الآيةِ لنا كيفيةَ القِتال والمصابرة معهم، من القتل والأخذ الذي هو الأَسْرُ والحَصْرُ.
وبين النبيُّ - ﷺ - بفعله جوازَ رَمْيِهِمْ بالمَنْجَنيقِ، فرمى حِصْنَ الطائِف (٣)، وذلك شيءٌ وراء الحَصْر، ولا بد من زيادة بحثِ هذا المعنى عندَ الوصولِ إلى "سورةِ مُحَمَّدٍ" - ﷺ -.
أما الجملة الثانية: فإن الله سبحانه شَرَطَ في تخليةِ سبيلِهم إقامةَ الصَّلاةِ، وإيتاءَ الزَّكاةِ، وشَرَطَ في أخُوَّتهِم في الدينِ وصحةِ توبِتهم إقامةَ الصلاةَ، وإيتاءَ الزكاةِ أيضاً، وها أنا أتكلم عليهما معاً؛ لاتفاقِ معنيَيْهِما، فأقول:
* أما إقامُ الصَّلاةِ:
فقد أخذَ بظاهرِ الكتابِ العزيز آخِذون، وجعلوا إقامَ الصلاةِ شرطاً في الإيمانِ، ومنهم أحمدُ، وإسحاقُ، وابنُ المباركِ، وبعضُ الشافعية؛ للآية (٤)، ولقوله - ﷺ -: "بين الرَّجُلِ وبينَ الشركِ والكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ" (٥).
وذهبَ جمهورُ الفقهاءِ وبعضُ السَّلَفِ إلى أنه ليسَ بشرطٍ في الإيمانِ،

(١) العسيف: المملوك المُسْتَهانُ به، قال الشاعر:
أطعتُ النفسَ في الشهوات حتَّى أعادتني عسيفاً عَبْدَ عَبْدِ
"اللسان" (مادة: عسف) (٩/ ٢٤٦).
(٢) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٩)، و "المبسوط" للسرخسي (١٠/ ٦٤)، و "بداية المجتهد" لابن الرشد (١/ ٢٨٠).
(٣) انظر: "نصب الراية" للزيلعي (٣/ ٣٨٢).
(٤) عن الإمام أحمد روايتان، إحداهما هذه، والأخرى: أنه يقتل حداً. انظر: "المجموع" للنووي (٣/ ١٧)، و"الشرح الكبير" لابن قدامة (١/ ٣٨٤).
(٥) تقدم تخريجه.


الصفحة التالية
Icon