والتعليق، وذكرتُ ما فيهِ من الاختلافِ.
وقصدَ اللهُ سبحانَهُ بهذا الردِّ على المشركين افتخارَهُمْ بذلكَ.
ثم قال: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] الآية.
قال ابنُ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- في رواية الوالبي: قالَ العباسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ حينَ أُسِرَ يومَ بَدْرٍ: لَئِنْ كنتمْ سبقتمونا بالإسلامِ والهجرةِ والجِهاد، لقد كُنّا نَعْمُرُ المَسْجِدَ الحَرامَ، ونَسْقي الحاجَّ، ونَفُكُّ العانِيَ، فأنزلَ اللهُ تعالى هذهِ الآيةَ، يعني: (أجعلتمُ سِقايةَ الحاجِّ) (١).
فأخبرَ أَنَّ عِمارتَهُمُ المَسْجِدَ، وقيامَهُمْ على السِّقايةِ لا يَنْفَعُهُمْ معَ الشِّرْكِ باللهِ، وأَنَّ الإيمانَ باللهِ والجهادَ معَ نَبِيِّهِ - ﷺ - خَيْرٌ مِمّا هُمْ عليه.
فإن قيلَ: خَرَّجَ مسلمٌ في "صحيحه" عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- قال: كنتُ عندَ مِنْبَرِ النبيِّ - ﷺ -، فقالَ رَجُلٌ: ما أُبالي أَلَّا أَعْمَلَ عَمَلاً بعدَ الإِسلام إلَّا أَنْ أَسْقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي أَلَّا أَعْمَلَ عَمَلاً بعدَ الإسلامِ إلا أَنْ أَعْمُرَ المَسْجِدَ الحَرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أَفْضَلُ مِمَّا قلتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وقالَ: لا تَرْفَعوا أصواتَكُم عندَ مِنْبَرِ رسولِ اللهِ - ﷺ -، وهو يوم الجُمُعَةِ، ولكنْ إذا صليتُ الجمعة، دخلتُ فاستَفْتَيْتُهُ لكم فيما اختلفتُمْ فيه، فأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] الآية (٢).
وهذا يدلُّ على أنها لم تنزِل رَدًّا على مُشْركيهم، وإنما نزلتْ في المؤمنين.

(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٩٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٧٦٨).
(٢) رواه مسلم (١٨٧٩)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الشهادة في سبيل الله.


الصفحة التالية
Icon