إلا الرجالُ البالِغونَ القائِمونَ بالقِتال، استدلَلْنا بهذا (١) على أنَّ من لا قِتال منه؛ كالنِّساءِ والصِّبيانِ والرُّهْبانِ لا جِزْيَةَ عليهم؛ لكونِهم في أمانٍ من قَتْلِنا إياهُم، فلا يحتاجون إلى بَذْلِ جزيةِ الكَفِّ عنهم، وعلى هذا المعنى الذي اسْتَنْبَطَهُ أهلُ العِلْمِ دَلَّتِ السنَّةُ على اعتبارهِ.
فرُويَ أَنَّ عُمَرَ -رضيَ الله تعالى عنه- كتبَ إلى أمراءِ الأجناد: أَلاّ يَأْخُذوا الجِزْيَةَ من النِّساءِ والصِّبْيانِ (٢).
* ثم اختلفوا في تفصيلِ هذا الاستنباطِ، هلِ الجزيةُ بدلٌ عن الدمِ خاصَّةً، أو بدلٌ عن الدَّمِ وسُكنى الدار؟
فيه خلافٌ، وبالأولِ أخذَ مالِكٌ (٣)، وبالثاني أخذَ الشافِعِيُّ (٤)، وقولُ مالِكٍ هُنا هو الظاهِرُ.
ويظهر أثرُ الخِلاف فيما إذا أسلمَ في أثناءِ الحَوْلِ، هل يجبُ عليهِ تسليمُ القِسْط؟ (٥)
* وأطلقَ اللهُ سبحانَهُ الجزيةَ، ولم يَحُدَّها بِحَدٍّ.
وروي أن النبيَّ - ﷺ - قال: "خُذْ منْ كُلِّ حالِمٍ دينارًا، أو عَدْلَهُ ثَوْبَ

(١) "بهذا": ليس في "أ".
(٢) رواه سعيد بن منصور في "سننه" (٢/ ٢٨٢)، وعبد الرزاق في "المصنف" (١٠٠٩٦): أن عمر -رضي الله عنه- كان يكتب إلى أمراء الأجناد: "ألاّ يقتلوا إلا من جرت عليه المواسي، ولا يأخذوا الجزية إلا ممن جرت عليه المواسي، ولا يأخذوا من صبي ولا امرأة".
(٣) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي "٢/ ٤٨١"، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٨/ ١١٣).
(٤) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ٣١٣)، و "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢٢٧).
(٥) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٣/ ٢٤٩).


الصفحة التالية
Icon