مثل المنسوخِ، وليس فيه أكثر من أنه أخبرهُ الله تعالى بأنه لا يغفرُ لهم من غير ذكر عدد إلا أن يريد أنها ناسخة لمفهوم العدد، وكان قد علم أنه إذا استغفر لهم أكثر من سبعينَ مرة، غفر الله لهم فنسخ الله هذا المفهوم.
بدليل ما روينا في "صحيح البخاري" عن ابنِ عمرَ -رضي الله تعالى عنه- قال: لما توفي عبد الله بن أُبي، جاء ابنه عبدُ الله بنُ عبدِ الله إلى رسول الله - ﷺ -، فسأله أن يعطيه قميصًا يكفن فيه أباه، فأعطاه، وسأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله - ﷺ - يصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله! تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه! فقال رسول الله - ﷺ -: "إنما خيرني اللهُ فقال: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠]، وسأزيده على السبعين"، قال: إنه منافق، قال: فصلى عليه رسول الله - ﷺ -، قال: فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ (١) [التوبة: ٨٤].
٢ - وذهب قوم إلى أن معناه (٢) النهي، فلم يبح الله سبحانه لنبيه - ﷺ - الاستغفار لهم بهذا اللفظ، فلا نسخ لجواز الاستغفار (٣).
بدليل قوله تعالى: ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠]، وإنما قوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٨٤] ناسخة لفعل الصلاة على عبد الله بنِ أُبي المنافقِ، هكذا نقل هذا القول واشتهر، ولكن يصادمه ويبطله ما قدمنا من حديث ابن عمر المخرج في "الصحيحين".
* فإن قلت: قد نهى الله سبحانه نبيه - ﷺ - عن الاستغفار لأهل النار،
(٢) في "ب": "معناها".
(٣) انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص ٥٢٣).