فقال: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: ٢٤]، وذلكَ غايةُ ما ينتهي إليهِ الخضوعُ.
* ثم أمرَهُ بالدُّعاءِ لهما مُطْلَقًا بعدَ المَمات وقبلَهُ؛ شكرًا لإحسانِهما إليهِ في صغرِه.
فإن قلتَ: فهل يجبُ على الوَلَدِ الدُّعاءُ لِوالِديْهِ، أو يُسْتَحَبُّ؟
قلت: لا أعلمُ فيه شيئًا، والذي ينبغي أَنْ يكونَ واجِبًا لإِطلاقِ الأمرِ الذي أمرَ اللهُ بهِ، وبَيَّنَ عِلَّتَهُ، أَلا وهو تربيتُهما لهُ في صِغَرِهِ، وذلكَ من جُمْلَة الشكرِ الذي أمرَ اللهُ تعالى به جُمْلَةً.
فإن قلت: هذه الآية تَقْتضي أن يدعوَ لَهُما وإنْ كانا كافِرَيْنِ؛ لعطفهِ ذلكَ على الإحسانِ الذي هوَ واجبٌ لهما مُطْلَقًا، وقَدْ نهى اللهُ سبحانَهُ عن الدُّعاءِ للمشركين، ولو كانوا أُولي قُرْبى، وقد استقرَّ الأمر على تحريمه.
قلت: يحتمل أن تكونَ هذهِ الآيةُ عامَّةً مطلَقَةً، ثم نُسِخَ (١) منها الدُّعاءُ للوالِدَيْنِ الكافِرَيْنِ المَيِّتَيْنِ بآيةِ (براءة) (٢)، وروي هذا عنِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما-.
ويحتملُ أن تكونَ عامَّةً مخصوصة بالوالدينِ إذا كانا حَيَّيْنِ، ويكونَ منَ اللفظِ الذي يردُ عاماً، ويُرادُ بهِ الخُصوصُ، وقد ثبتَ فيما مضَى جوازُ الاستِغْفار لهُما، وإنْ كانا كافِرَيْنِ.
ويحتملُ أن تكونَ خاصَّةً في الوالدينِ المسلمين، ويكونَ من اللفظ

(١) انظر: "الناسخ والمنسوخ" (ص: ٤٤)، و"المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٤٣)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: ٣٩)، و "قلائد المرجان" (ص: ١٢٥).
(٢) وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ..................﴾ [التوبة: ٢٤].


الصفحة التالية
Icon