وإنما اختلفوا هَلْ تَجِبُ في كُلَّ رَكْعَةٍ، أو في مُعْظَمِ الصَّلاةِ، أو في رَكْعَةٍ من الصلاةِ؟
وبالأولِ قالَ الشافعيُّ.
وبالثاني والثالثِ روايتانِ عن مالكٍ.
وكذا اختلفوا في تعيينِها.
فقال الشافعيُّ تتعيَّنُ الفاتِحَةُ؛ لما رَوى أبو هُريرةَ -رضي اللهُ تَعالى عنه -: أن النبيَّ - ﷺ - قال: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرآنِ (١)، فَهِيَ خِداجٌ، فهي خِداجٌ غَيْرُ تَمامِ"، فقيل لأبي هريرةَ: إنّا نكونُ وراءَ الإمامِ، قالَ: اقرأْ بها في نَفَسِكَ؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ - ﷺ - يقولُ: "قالَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْني وبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدي ما سأَلَ، فإذا قالَ العَبْدَ: الحمدُ للهِ رَبِّ العالَمين، قالَ اللهُ: حَمِدَني عَبْدي، وإذا قالَ: الرَّحْمنِ الرحيمِ، قالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيِّ عَبْدِي، وإذا قالَ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قالَ اللهُ: مَجَّدَني عَبْدي -وقالَ مَرَّةً: فوَّضَ إليَّ عَبْدِي-، وإذا قالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعينُ، قال: هذا بَيْني وبَيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدي ما سأَلَ، وإذا قال: اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقيمَ صِراطَ الذَّينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضوبِ عَلَيْهِمِ وَلا الضَّالِّينَ، قال: هذا لعَبْدِي، ولعَبْدي ما سأَلَ" (٢).
وقال أبو حنيفةَ: لا يَتَعَّيُن، لِما رَوى أبو هُريرةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - دخلَ المسجدَ، فدخلَ رجلٌ فَصَلَّى، ثم جاءَ فَسَلَّمَ على النبىِّ - ﷺ -، فَرَدَّ رسولُ اللهِ - ﷺ - عليهِ السَّلامَ، فقالَ: "ارْجعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجعَ الرجلُ فصلَّى كَما صَلَّى، ثم جاءَ إلى النبيِّ - ﷺ -، فَسَلَّمَ عليهِ،

(١) "فهي خداج" ليس في "أ".
(٢) رواه مسلم (٣٩٥)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.


الصفحة التالية
Icon