وقال أيضًا: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧].
وقال أيضًا: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٩٧].
واستمر الحكمُ على ذلكَ في صدرِ الإسلامِ باتِّفاقِ أهلِ العلم.
ثم اختلفوا في بقاِئه:
فقال ببقاءِ حُرْمته ومَنْعِ القتال (١) فيه طاوسٌ، ومجاهدٌ (٢).
وخالفهما الباقون، وزعموا نسخَ هذه الآية وما أشبهها (٣)، ولم أقفْ لهم على دليلٍ يدلُّ على ما ادَّعوه، وقد قدمتُ ما قالوه في "سورة البقرة"، ودعوى النسخ بعيدٌ؛ لأن "سورة المائدةِ" من آخرِ ما نزل.
قالت عائشةُ -رضي الله تعالى عنها-: إنها آخرُ سورةٍ نزلتْ، فما وجدتُم فيها من حَلالٍ فاستَحِلّوه، وما وجدتم فيها من حَرَامٍ فحرّموه (٤)، ولأن "سورة براءة" من آخر ما نَزَل أيضاً؛ كما سيأتي بيانه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
(٢) وهو قول عطاء. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٣٥١)، و"الناسخ والمنسوخ" للقاسم بن سلام (ص: ٣٣١)، و"تفسير الطبري" (٦/ ٦١)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٢٠٦).
(٣) انظر: "الناسخ والمنسوخ" (ص: ٤١)، و"المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٢٦ - ٢٧)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: ٣١)، "قلائد المرجان" (ص: ١٠١).
(٤) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٦/ ١٨٨)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١١٣٨)، والطبراني في "مسند الشاميين" (١٩٦٣)، والحاكم في "المستدرك" (٣٢١٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٧٢).