"هو الطَّهورُ ماؤهُ الحِلُّ مَيْتتهُ" (١)، وبما رواه جابر -رضي الله تعالى عنه-: أنهم أكلوا من الحوتِ الذي رماهُ البحرُ أيامًا، وتزودوا منه، وأنهم أخبروا بذلك رسولَ الله - ﷺ -، فاستحسنَ فِعْلَهُم، وسألهم: "هل بقيَ منه شيء؟ " (٢) (٣).
وضعف الشافعيُّ الاستدلالَ بأن ظاهرَ الكتابِ يقتضي تنويعَ المُحَرَّمِ إلى ميتةٍ ودمٍ، فالميتةُ تَحِلُّ بالذكاةِ، بخلافِ الدمِ، فلا يكون أحدُهما عِلَّةً لتحريم الآخر، ورأى أن العلَّة للمَقْلِ (٤) هو ما فَصَّلَتْه الإشارةُ النبويةُ من الداءِ بقوله: "فإنَّ في أَحَدِ جَناحَيْهِ داءً، وفي الآخَرِ دَواءً" (٥)، فجعله الشافعيُّ من بابِ العفوِ؛ لِمَشَقَّةِ الضَّرَر، وهذا من محاسنِ نظرهِ - رحمة الله عليه، وعليهم أجمعين (٦) -.
فإن قال قائلٌ: فقد أفتى الشافعيُّ بتحليلِ جنينِ الذبيحةِ إذا خرجَ ميتًا (٧).
(٢) رواه البخاري (٢٨٢١)، كتاب: الجهاد، باب: حمل الزاد على الرقاب، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣٠٣)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (١٩٥٤)، وابن الجارود في "المنتقى" (٨٧٨)، وغيرهم.
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٦٥)، و"شرح مسلم" للنووي (١٣/ ٨٦).
(٤) أي: الغمس.
(٥) رواه البخاري (٣١٤٢)، كتاب: بدء الخلق، باب: إذا وقع الذباب، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٢٦٣)، عن أبي هريرة، وهذا لفظ أحمد.
(٦) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٥٦).
(٧) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ٢٣٤)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ١٤٨).