أمرَهُ اللهُ أن يُخَيِّرَ أزواجَهُ، فبدأَ بي رسولُ اللهِ - ﷺ -، فقال: "إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أَمْراً، فلا عَلَيْكِ أَنْ تَسْتعْجِلي حَتَّى تَسْتأمِرِي أبوَيْكِ"، وقد عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لم يكونا يأمُراني بِفراقِه، قالت: ثم قال: "إنَّ الله تَبارَكَ وتَعالى قال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ [الأحزاب: ٢٨] "، إلى تمام الآيتين، فقلتُ: ففي أيَ شيءٍ أَستأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فما في أريدُ الله ورسولَهُ والدارَ الآخر (١).
ولم يكنِ التخييرُ منه - ﷺ - طلاقاً مُعَلَّقاً باختيارِهِنَّ (٢).
وهذا الحكمُ في النبيِّ - ﷺ - وأَمّا غيرُه فإنْ خَيَّرَ أَحدٌ منَ الناسِ زوجتَه، فقد اختلفَ السَّلَفُ فيه اخْتِلافاً كَثيراً (٣).
فذهبَ عمرُ، وابنُ عباسٍ، وابنُ مسعودٍ، وعائشةُ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم-: إلى أنها إنِ اختارتْ نفسَها، فواحدةٌ، كان اختارتْ زوجَها، فلا شيءَ.
قالت عائشةُ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها-: خَيَّرَنا رسولُ اللهِ - ﷺ -، فاخترناه، أفكانَ ذلكَ طلاقاً (٤)، وبهذا قال الشافعيُّ.
وذهبَ زيدُ بنُ ثابت إلى أنها إنِ اختارَتْ نَفْسَها، فثلاث، وإنِ اختارتْ زوجَها، فواحدةٌ، وهو أَحَقُّ بها، وجَعَلَ الطَّلاقَ مُعَلَّقاً باختيارِها، فإنِ
(٢) انظر: "الأم" للشافعي (٥/ ١٤٠)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٥/ ٢١٢).
(٣) انظر: هذا الاختلاف في "الأم" للشافعي (٧/ ١٥٧)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ٧٢)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٠/ ١٧٣)، و"المحلى" لابن حزم (١٠/ ١١٨).
(٤) رواه مسلم (١٤٧٧)، كتاب: الطلاق، باب: بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية.