وقد أرجَأَ رسولُ الله - ﷺ -، ففي "صحيحي البخاري ومسلم" عن سهل بنِ سعدٍ السَّاعِدِيَّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - جاءَتهُ امرأةَ، فقالَتْ: إِنِّي وهبْتُ نَفْسي لَكَ، فقامَتْ، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! زَوِّجْنيها إن لم يكنْ لكَ بها حاجة، فَذَكَرَ أَنَّه زَوَّجَهُ إياها (١).
واختارَ هذا التأويلَ أبو عبدِ اللهِ الشافعيٌّ، وكذا جماهيرُ أصحابِه، فاختاروا وُجوبَ القَسْمِ عليهِ (٢).
قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما-: تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ - ﷺ - عَنْ تِسْعٍ، وكانَ يقسِمُ لثمانٍ، ولا يقسِمُ لواحدةٍ (٣).
وعن عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها-: أن النبيَّ - ﷺ - جِيْءَ به يحْمَلُ في كِساءٍ بينَ أربعةٍ، فَأُدخِلَ عَلَيَّ، فقال: "يا عائِشَةُ! أَرْسلي إلى النَّساءِ"، فلمَّا جِئْنَ، قال: "إنِّي لا أَسْتَطيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فَأْذَنَّ لِي فَأَكونَ في بَيْتِ عائِشَةَ"، قُلْنَ: نَعم (٤).
* ثم إطلاقُ هذا التخييرِ يقْتَضي (٥) أَنَّ له أن يتزوَّجَ ويَتَّهِبَ ويُؤْوِيَ مَنْ يشاءُ مِمَنْ أَحَل اللهُ لهُ منْ كيرِ حَضرٍ؛ إذ جعلَ الأمرَ إلى مَشيئتِه - ﷺ -، وهو

= يكون طلاقاً إلا بالنية، عن عائشة.
(١) رواه البخاري (٤٧٤٢)، كتاب: فضائل القرآن، باب: القراءة عن ظهر قلب، ومسلم (١٤٢٥)، كتاب: النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد.
(٢) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٩/ ٢٥)، و"المجموع" للنووي (٢/ ١٧٨)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (٣/ ٢٥١).
(٣) رواه البخاري (٤٧٨٠)، كتاب: النكاح، باب: كثرة النساء، ومسلم (١٤٦٥)، كتاب: الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها، عن ابن عباس.
(٤) رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (١٣٣٣)، بهذا السياق.
(٥) في "ب": "يعطي".


الصفحة التالية
Icon