قال مجاهد: أي: لا أُذْكَرُ إلَّا وتُذْكَرُ مَعي (١).
فإذا وَجَبَ على العِبادِ ذِكْرُ اللهِ سبحانه في أوقاتٍ مَخْصوصةٍ، وجبَ ذكرُ رَسولهِ - ﷺ - مَعَهُ في تِلْكَ الأوقاتِ، فلا يُقْصَرُ بهِ عَنْها، بل يبلغُ بهِ من المنَّةِ التي مَنَّ اللهُ تعالى عليهِ نِهايَةَ المِنَّةِ وغايَةَ الرِّفْعَةِ، فَكما لا يَصِحُّ إسلامٌ، ولا يَتِمُّ إيمان إِلَّا بذكرِه - ﷺ - مَعَ ذكرِ ربه، وكما لا يَكْمُلُ أَذان ودُعاءٌ إلى الصلاةِ إلا بذكرِه - ﷺ -، كذلكَ لا تتمُّ صلاةٌ يَجِبُ فيها ذكرُ اللهِ تعالى إلا بذكرِه، فمن أوجَبَ الصلاةَ عليهِ مَرَّةً واحدةً، لم يَسْتَوْفِ لهُ تمامَ الرِّفْعَةِ، ومَنْ أَوْجَبَ تكرارَها مُطْلَقاً، فقد بالَغَ وغَلا، فلف يَجْعَلِ اللهُ ذلكَ لهُ تبارَكَ وتعالى.
فإنْ قلتَ: فَقَدْ أوجَبَ اللهُ ذِكْرَهُ - ﷺ - في التشهُّدِ، فإيجابُ الصَّلاةِ عليهِ أَمْر زائدٌ على ذكرِهِ.
قلتُ: ذكرُه في التشهدِ جاءَ مُتابِعًا لذكرِ اللهِ سُبْحانَهُ الذي لا يَتِمُّ الإيمانُ إِلَّا بالإقرارٍ بهِ، وذكرُ الله سبحانه في الصَّلاةِ من التكبيرِ والتَّحْميدِ (٢) أمرٌ زائدٌ على الشهادِة لهُ بالوحدانِيةِ، فوجَبَ علينا أن نذكرَ نبيَّهُ - ﷺ - معَ ذِكْرِهِ سبحانَهُ باللَّفْظِ الذي أَمَرَنا بهِ، وخَصَهُ بهِ، وشَرَّفَهُ ورَفَعَهُ.
وإلى إيجابِ الصَّلاةِ على النبي - ﷺ - في الصَّلَواتِ الخمس ذَهبَ الشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وبعضُ المالكيةِ (٣).

(١) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٢٠٩) و (٩/ ٢٨٦)، و"معرفة السنن والآثار" (١/ ٦٤) و (١/ ٤٣٧)، وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٨/ ٥٤٨).
(٢) في "ب": "والتمجيد".
(٣) انظر: "الأم" للشافعي (١/ ١١٧)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٢/ ١٣٧)، و"المجموع" للنووي (٣/ ٤٣٠)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ٣١٨)، و (الاستذكار) لابن عبد البر (١/ ٣١٧) وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon