وبتحريمِ مَسِّهِ على المُحدِثِ أخذَ أبو عبدِ اللهِ الشافعي -رحمَهُ الله (١) - حتى قال كثيرٌ من أصحابه: يجبُ أَلَّا يمسَّه الصبي المُمَيِّزُ إلا مُتَطَهِّراً (٢)، وحتى قَالَ بعضُ أصحابه: يجبُ أَلَّا يمسَهُ (٣) إلا مَنْ كان متطهِّرًا مِنَ الخَبَثِ في جميعِ بَدَنِه، ولو كانَ العضوُ الماسُّ للقرآنِ طاهرًا، والنجاسةُ في سائرِ بدنهِ (٤). وحَتى قال بعضُهم: لا يجوزُ لمنْ تنَجَّسَ فوهُ أن يقرأَ القرآنَ حَتَّى يطهِّرَه.
وقد منعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الجنبَ والحائضَ من قراءةِ القُرآنِ (٥).
وكُلَّ ذلكَ أختارُ وأدينُ اللهَ تباركَ وتَعالى به، ولهذا كرهَ مالِكٌ

(١) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ٣٨٤)، و "روضة الطالبين" للنووي (١/ ٨٠).
(٢) في المسألة عند الشافعية وجهان، الراجح منهما: أنه لا يجب للمشقة. انظر: "الشرح الكبير" للرافعي (٢/ ١٠٧)، و "التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي (ص: ١٠١).
(٣) في "أ": "يمسكه".
(٤) نُقل هذا القول عن القاضي أبي القاسم الصيمري، والمذهب خلافه. انظر: "المهذب" للشيرازي (١/ ٢٥)، و "التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي (ص: ١٠٠).
(٥) رواه الترمذي (١٣١)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن، وابن ماجه (٥٩٥)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٨٨)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (١/ ٢٩٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٨٩)، وفي "شعب الإيمان" (٢١١٠)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (٢/ ١٤٥)، عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن".


الصفحة التالية
Icon