وبهذا قالَ مالِكٌ في روايةٍ، والروايةُ المشهورةُ عنه أنهُ مُدٌّ بِمُدِّ هِشامٍ (١) (٢)، ومُذُ هِشامٍ بِمُدٍّ ونصْفِ مُدٍّ بِمُدِّ رسولِ الله - ﷺ -، وقيل: مُدَّانِ، وقيل: مُدٌّ وثُلُثٌ؛ لأن به تحصل الكفاية في الغداءِ والعشاءِ (٣).
وأنكرَ الشافعيُّ هذا على مالكٍ، وقالَ: مَنْ شَرَعَ لكمْ مُدَّ هِشامٍ؟ وقد أنزلَ اللهُ تبَاركَ وتعالى الكفاراتِ على رسولهِ قبلَ أن يولَدُ هشام، وكيفَ ترى المسلمين كَفروا في زَمَنِ رسولِ اللهِ - ﷺ - وبعدَه قبل أن يكونَ هشامٌ (٤)؟
وقال أبو حنيفةَ: طعامُه مُدَّانِ؛ اعتبارًا بِفِدْيَةِ الأَذى، واستدلُوا بحديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - (٥).
ولو اعتبروا هذهِ الكفارةَ بكفارةِ الفِطْر في رَمَضانَ، لكانَ أَحْرَى وأوْلى، فاعتبارُ الكَفَّارَةِ بِالكَفَّارَةِ أَشْبَهُ وأوْلى به، وأَمّا فِدْيَة الحَجِّ، فلا تشبهُ ما سِواها من الكفاراتِ في شيءٍ، واللهُ أعلم.
* * *
(٢) هو هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة المخزومي عامل كان بالمدينة لبني مروان. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٣/ ٢٧١).
(٣) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ١٩٦)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٨٥).
(٤) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٧/ ٢٥٧).
(٥) مذهب الحنفية أن مقدار الطعام هو نصف صاع بر أو صاع تمر أو شعير. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٣١٣)، و"المبسوط" للسرخسي (٧/ ١٦)، و "الهداية" للمرغيناني (٢/ ٢١).