وقد نَهى عن ذلك، وعملَ بهِ أئمةُ المسلمين.
قال الشافعي: لعل أمرَ أبي بكرِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - إنما هو لأنهُ سمعَ النبي - ﷺ - يُخْبرُ أَنَّ بلادَ الشامِ تفُتح على المسلمينَ، فلما كانَ مُباحًا له أن يقطع ويَترك، أجازَ التركَ نَظَرًا للمسلمين بالأصلحِ (١)، وقد قطعَ رسولُ اللهِ - ﷺ - يومَ بني النَّضير، فلما أشرع (٢) في النخلِ قيل له: قدْ وعدَكَها اللهُ تَعالى، فلو استبقَيْتَها لنفسك (٣)، فكف القطعَ استبقاءَ، لا أن القطعَ مُحرم، وقد قطعَ بِخَيْبَرِ، ثم قطعَ بالطائفِ.
ثم قال: قال أبو يوسفُ: ثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن يزيدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ قسيطِ قال: لما بعثَ أبو بكرِ خالدَ بنَ الوليدِ إلى طُلَيْحَةَ وبَني تميمٍ، قالَ لهُ: وأَيُّما دارٍ غَشيتها، فَأمسِكْ عنها إنْ سمعْتَ أذانًا حتى تسأَلهُم ما يريدون، وما ينقمون، وأَيُّما دارٍ غَشيتَها فلم تسمعْ فيها أَذانا، فَشُنَّ عليها الغارةَ، واقتلْ، واحرق.
قالَ أبو يوسف: ولا نرى أن أبا بكرِ نَهى عن ذلك بالشامِ إلَّا لعلمِه بأنَّ المسلمينَ سَيَظْهرون عليها، ويبقى ذلكَ لهمْ (٤).
وهذا التأويلُ الذي ذكرَهُ الشافعي وأبو يوسفَ متعين، فقد رُوي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "زُوِيَتْ لِيَ الأَرْضُ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَ الأَرْضِ ومَغارِبَها، وسَيَبْلُغُ مُلْكُ أمَّتي ما زُوِيَ لِي مِنْها" (٥).

(١) "بالأصلح" ليس في "ب".
(٢) في "ب": "أسرع".
(٣) "لنفسك" "ليس في "أ".
(٤) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٧/ ٣٥٦) وما بعدها، و"السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٨٥).
(٥) رواه أبو داود (٤٢٥٢)، كتاب: الفتن والملاحم، باب: ذكر الفتن ودلائلها، =


الصفحة التالية
Icon