وأما الاحتمالُ الثاني، فذهبَ أبو عبدِ اللهِ الشافعي إلى أنه - ﷺ - لا يملكُ إلَّا بعضَ الفيءِ، فلهُ أربعةُ أخماسِه وخُمُسُ خُمُسِهِ، والباقي لمن سماه الله تعالى فقط (١).
والغنيمةُ والفيءُ يجتمعان في أَنَّ فيهما الخُمُسَ في جميعِهما لمنْ سماهُ اللهُ تعالى له في الآيتين معًا، ثم يفترق الحكمُ في الأربعةِ الأخماس كما (٢) بيَّنَ اللهُ تعالى على لسانِ نبيهِ - ﷺ -، وفي فعله؛ فإنه قَسَمَ أربعةَ أخماسِ الغنيمةِ، والغنيمةُ هي المُوجَفَ عليهِ بالخيلِ والرِّكاب لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وفقيرٍ، والفيءُ هو ما لم يُوجَفْ عليه بخيلٍ ولا رِكابٍ، فكانَتْ سنةُ رسولِ اللهِ - ﷺ - في القُرى التي أفاءَ اللهُ عليه أَنَّ أربعةَ أَخْماسها لرسولِ اللهِ دَونَ المسلمينَ، يضعُها رسولُ اللهِ - ﷺ - حيثُ أرادَ اللهُ عز وجَل (٣).
وهذا التقسيمُ لا يدلُّ عليهِ لفظُ القرآن، وإنما أخذَهُ الشافعي استدلالاً منَ الغنيمةِ، والذي يدلُّ عليه القرآنُ والسنةُ والاستنباطُ، وقالَ بهِ عامَّةُ أهلِ العلمِ أنه - ﷺ - كان يملكُ الكُل (٤).
فإن قلت: ما وجهُ الدليلِ من الكِتاب والسنةِ؟
قلتُ: أما دلالةُ الكِتاب، فإن الله سبحانَه مَنَّ بهِ على رسولِ اللهِ - ﷺ -، وجعلَهُ من فَيْئه عليه، لا من فَيْءِ أحدٍ منَ المقاتلين، بل جعلهُ اللهُ مما أخذَهُ بتسلُّطِه عليهم كما يتسلط الغانمون على عَدُوِّهم، فقالَ تباركَ وتعالى:
(٢) في "أ": "بما".
(٣) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٤/ ١٣٩)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٥/ ١١١).
(٤) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٨/ ٣٨٩)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٩٥).