وأما دلالةُ السنَّةِ فواضحةٌ من قولِ عمرَ وقَضائه الذي قَضى به، وقضى به أبو بكرٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- فجعلَه خاصًّا برسولِ اللهِ - ﷺ -، وجعلَهُ مالًا تَرَكَهُ وخَلَّفَهُ، وإنما احتج عليهم بكونهِ لا يورَثُ، وقال: إن الله تَعالى خَصهُ في هذا الفيء بشيءٍ لم يعطِه أحدًا غيرَه، واستدل بالآيةِ الأَوى كما استدلَلْتُ بها، وقال: كانَتْ (١) خالصةً لرسولِ اللهِ - ﷺ - (٢)، ولم يقلْ علِيٌّ وعباسٌ ولا أحدٌ من الصحابةِ الذين حَضَروا، وهم من عُلماء أصحابِ رسول الله - ﷺ -: لم تكنْ خالصةً لهُ، بل ذوو قرابته واليتامى والمساكينُ مشاركونَ لهُ، ولو علمَ العباسُ وعَلِيٌّ لهم معه قسمًا ونصيبًا، لذكروه.
وأمّا الاستنباطُ، فالذي يحيطُ بهِ العلمُ والنظرُ أنه لو كانَ أحدٌ مِمَّنْ سَمّاه الله سبحانه مُشاركاً لهُ، لكانَ لِذوي قرابته سَهْمٌ من خمسةٍ وعشرينَ سَهْماً يأخذونه من المالِ الذي كان بَيدِه وتركَه من مالِ الفيء - ﷺ - يأخذونه مُلْكاً لا إرْثاً، واليتامى كذلك، وللمساكينِ وابنِ السبيل كذلك، ولم يقلْ بهذا قائلٌ، ولم يُعْرَفْ له أصلٌ.
وأيضًا لو كانَ أحدٌ مشاركاً، لهُ لما فُضلَ سهمُ سبيلِ الله على غيرِه من السِّهام، ويدل على التفضيلِ قولُ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه -: وكانَ رسولُ اللهِ - ﷺ - ينفقُ منها على عِياله نفقَةَ سنتِه، وما فَضَلَ جعلَه في الكُراع والسِّلاحِ عُدَّةً في سبيل الله، وفي لفظٍ آخرَ: ثم يأخذُ ما بقيَ فيجعلُه مَجْعَلَ مالِ الله (٣).
(٢) تقدم تخريجه من قول عمر في قضية العباس وعلي رضي الله عنهم لما طلبا عمر بما كان في يد النبي صلى الله عليه وسلم.
(٣) رواه النسائي (٤١٤٠)، كتاب: قسم الفيء، في أوله، والإمام الشافعي في "مسنده" (٣٢٢)، والإمام أحمد في "مسنده" (١/ ٤٨)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٢٩٧٩)، وابن حبان في "صحيحه" (٦٣٥٧)، وابن الجارود في =