وذهبَ مالكٌ إلى أنَّ الأرضَ لم تُخَمَّسْ، بل تكونُ كما فعلَ عمرُ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - في أرضِ السَّوادِ (١)، وللإمام أن يَمُنَّ بها على أهلِها كَما فعلَ رسولُ الله - ﷺ - في أهلِ مَكَة (٢).
والجوابُ ما قدمتُه في "سورة الحَجِّ"، وأن المختارَ ما ذهبَ إليه الشافعيُّ أنها فُتِحَتْ صُلْحاً، فلم تغنَمْ.
فإن قلتَ: فقد جعلَ عمرُ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - أرضَ السَّوادِ بين المسلمين، ولعل مصرفَ الأرضِ إلى اجتهادِ الإمامِ، فإمّا أن يقسِمَها، وإما أن يجعلَها فيئًا كما ذهبَ إليهِ أبو حنيفة (٣).
قلنا: قال الشافعي -رحمَهُ اللهُ تعالى-: لا أعرفُ ما أقولُ في أرضِ السوادِ إلا ظَنًّا مقروناً إلى علم، وذلك أني وجدتُ أصحَّ حديثٍ يرويه الكوفيونَ عندَهم في السَّوادِ ليسَ فيه بيان، ووجدْتُ أحاديثَ من مُحَدّثيهم تخالِفُه (٤)، منْها أنهم يقولون: السوادُ صُلْحٌ، ويقولون: السوادُ عَنْوَةٌ، ويقولون: إن بعضَ السوادِ صلحٌ، وبعضه عَنْوَةٌ، ويقولون: إن حديثَ جريرٍ البَجَلِيِّ وهو أثبتُ حديثٍ عندهم: أخبرنا الثقةُ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن قيسِ بنِ أبي حازمٍ، عن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ قال: كانت بَجيلَةُ ربعَ الناسِ، فقسمَ لهم ربعَ السوادِ، فاستغلوه ثلاثًا أو أربعَ سنين -أنا شككْتُ- ثم قدمتُ على عمرَ بنِ الخطابِ، ومعي فلانةُ بنتُ فُلانٍ منهم -وسماها- لا يحضرُني ذكرُ اسمِها الآنَ، فقالَ عمرُ بنُ الخطابِ: لولا أني
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (٣/ ٢٤٦)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٩٣).
(٤) في "ب": "مخالفة".