* وأوجب اللهُ سبحانَهُ على المسلمينَ أن يؤتوا المشركينَ ما أَنْفقوا من مُهورِ النساء، وجعلَ ذلكَ للمسلمينَ على المُشركين، كَما للمشركينَ على المسلمين، وجَعَلَ (١) ذلك حُكْمًا بينهم.
قال الشافعيُّ -رحمَهُ الله تعالى-: وحكمَ لهم في مثل هذا المعنى حُكمًا ثابتاً، فقال: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ﴾، كأنه -واللهُ أعلمُ- يريدُ: فلم يَعْفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم، ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا﴾ [الممتحنة: ١١] يعني: من مهورهن، إذا فاتت امرأةٌ مشركةٌ أتتنا مسلمة قدْ أعطاها مئةً من مَهْرها، وفاتت امرأة مسلمة إلى الكُفَّارِ، وقد أعطاها مئة، حُسِبَتْ مئةُ المسلمِ بمئةِ المُشركِ، فقيل: تلك العقوبة، ونكتبُ بذلك إلى أصحابِ عهودِ المشركين، حَتىّ يعطيَ المشركُ ما قَصَصْناهُ من مَهْرِ امرأتِه بالمُسْلِمِ الذي فاتتهُ امرأتُهُ إليهم، ليسَ له غيرُ ذلك (٢).
واختلف قولُ الشافعيِّ هَلْ هذا الحكمُ عامٌّ أو خاصّ بصلحِ الحُدَيبية، فجعله في أَحَدِ قوليه عامّا؛ فإذا جاءتنا امرأة من دارِ الحربِ مهاجرةً قَدْ سَلَّمَ لها زوجُها مَهْرَها، وجبَ على الإمامِ أن يؤتيَ زوجَها ما أنفقَ إذا جاءنا طالباً ما أنفقَ.
وجعلَه في القولِ الثاني خاصًّا بصلحِ الحُدَيبية؛ فإن الله سبحانَه جعلَه عِوَضاً لِما شُرِطَ من رَدِّ النِّساء، فلما رَدَّ اللهُ سبحانَهُ هذا، أوجب رَدَّ ما أَنْفَقوا في مهورهن (٣).
(٢) انظر: "الأم" (٤/ ١٩٤).
(٣) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ٣٦٢)، و"روضة الطالبين" للنووي (١٠/ ٣٤١).