وترتيبُ قضاءِ التفثِ على الذبحِ يحتملُ أن يكونَ للاستحبابِ، ويحتملُ أن يكونَ للوجوبِ.
قال مالكٌ: الأمرُ الذي لا اختلافَ فيه عندَنا أن أَحَداً لا يَحْلِقُ رأسَهُ، ولا يأخذُ من شَعْرِهِ حتى ينحرَ هَدْياً إن كانَ معهُ، ولا يحلُّ من شيءٍ حَرُمَ عليهِ حتى (١) يَحِلَّ بمنًى يومَ النَّحْرِ، وذلكَ أنَّ اللهَ تبَارك وتَعالى قال: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ (٢) [البقرة: ١٩٦]، وقَد قَدَّمْتُ الكلامَ على هذا في "سورة البقرة" عند هذه الآية (٣).
الجملة السابعة: أَمَرَهُمُ اللهُ تعالى بإيفاءِ النُّذورِ، والأَمْرُ فيهِ للوجوبِ.
وعلى وُجوبِ الوفاءِ بالنذرِ أجمعَ المُسلمونَ (٤)، وبوَفائه مدَحِ اللهُ سبحانَه عبادَه الصالحينَ، فقال: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧]، وذمَّ على ترْكِهِ المنافقينَ، فقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] الآيات.
وذِكْرُ اللهِ سبحانَهُ لَهُ بلفظ الجَمْعِ:
يحتملُ أن يكونَ تَعْظيماً لشأنه، ولهذا قالَتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ تعالى عنها-: إن النذرَ شَأْنُهُ عظيمٌ.
ويحتملُ أن يكونَ لكثرةِ أنواعِه وأقسامِه، فإنه ينقسمُ إلى مُطْلَقٍ وإلى مُعَلَّقٍ، فالمُطْلَق هو الخارِجُ مخرجَ الخَبَرِ ينقسمُ إلى مُصَرَّحٍ فيه بالمَنْذورِ، وإلى غيره.
(٢) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (١/ ٣٩٥).
(٣) "عند هذه الآية" ليس في "أ".
(٤) انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص ١١٠).